• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

نظرة في حديث بريدة

{  نظرة في حديث بريدة }

 ويشبه هذا ما أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده[1] وآخرون عن بُريدة قال: غزوت مع عليٍّ اليمن، فرأيت منه جَفوةً، فلمّا قدمتُ على‏ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم ذكرت عليّاً فتنقّصتُه، فرأيت وجه رسول اللَّه يتغيّر، فقال: « يا بريدة ألستُ أولى‏ بالمؤمنين من أنفسهم ؟»  قلت: بلى‏ يا رسول اللَّه.

 قال: « من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه ».

 فكأنّ راوي هذه القصّة كراوي سابقتها أراد تصغيراً من صورة الأمر، فصبّها في قالب قضيّة شخصيّة، ونحن لا يهمّنا ثبوت ذلك بعدما أثبتنا حديث الغدير بطرقه المُرْبية على التواتر، فإنَّ غاية ما هنالك تكريره صلى الله عليه وآله وسلم اللفظ بصورة نوعيّة تارة، وفي صورة شخصيّة اُخرى‏، لتفهيم بُريدة أنَّ ما حسبه جَفوة من أمير المؤمنين لا يسوغ له الوقيعة فيه على‏ ما هو شأن الحكّام المفوّض إليهم أمر الرعيّة، فإذا جاء الحاكم بحكم فيه الصالح العامّ، ولم يرُقْ ذلك لفرد من السُّوقة، ليس له أن يتنقّصه ؛ فإنَّ الصالح العامّ لا يدحضه النظر الفرديُّ، ومرتبة الولاية حاكمة على المبتغيات الشخصيّة، فأراد صلى الله عليه وآله وسلم أن يُلزم بُريدة حدّه، فلا يتعدّى‏ طوره بما أثبته لأمير المؤمنين من الولاية العامّة نظير ما ثبت له صلى الله عليه وآله وسلم بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: « ألست أولى‏ بالمؤمنين من أنفسهم ؟ ».

 

    «  هذا بَيانٌ لِلنّاسِ وَهُدَىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ »[2]

 

    {  الدليل الخامس: } الأحاديث المُفسِّرة لمعنى المولى‏ والولاية

 وقبل هذه القرائن كلّها تفسير رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم نفسه معنى‏ لفظه وبعده مولانا أمير المؤمنين عليه السلام حذو القذّة بالقذّة.

 أخرج القرشيّ علي بن حميد في شمس الأخبار[3]، نقلاً عن سلوة العارفين - للموفّق باللَّه الحسين بن إسماعيل الجرجاني، والد المرشد باللَّه - بإسناده عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أ نَّه لمّا سُئل عن معنى‏ قوله: « من كنتُ مولاه فعليّ مولاه »، قال:

 « اللَّه مولاي ؛ أَولى‏ بي من نفسي لا أمرَ لي معه، وأنا مولى المؤمنين ؛ أَولى‏ بهم من أنفسهم لا أمرَ لهم معي، ومن كنتُ مولاه أَولى‏ به من نفسه لا أمرَ له معي، فعليٌّ مولاه أَولى‏ به من نفسه لا أمرَ له معه ».

 وفي حديث احتجاج عبداللَّه بن جعفر على‏ معاوية قوله: يا معاوية إنّي سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول على المنبر وأنا بين يديه، وعمر بن أبي سلمة، وأُسامة بن زيد، وسعد بن أبي وقّاص، وسلمان الفارسي، وأبو ذرّ، والمقداد، والزبير بن العوامّ، وهو يقول:

 « ألستُ أَولى‏ بالمؤمنين من أنفسهم ؟ ». فقلنا: بلى‏ يا رسول اللَّه.

 قال: « أليس أزواجي أُمّهاتكم » ؟ قلنا: بلى‏ يا رسول اللَّه.

 قال: « من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، أَولى‏ به من نفسه »، وضرب بيده على‏ منكب عليّ، فقال: « أللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، أيُّها الناس أنا أَولى‏ بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معي أمر، وعليّ من بعدي أولى‏ بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معه أمر ... » - إلى‏ أن قال عبداللَّه -:

 ونبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم قد نصب لأُمّته أفضل الناس وأَولاهم وخيرهم بغدير خُمّ وفي غير موطن، واحتجّ عليهم به، وأمرهم بطاعته، وأخبرهم أ نَّه منه بمنزلة هارون من موسى‏، وأ نَّه وليّ كلّ مؤمن من بعده، وأنَّه كلُّ من كان هو وليّه فعليّ وليّه، ومن كان أَولى‏ به من نفسه فعليّ أَولى‏ به، وأ نَّه خليفته فيهم ووصيّه[4]... الحديث.

 وفيما أخرجه شيخ الإسلام الحمّوئي في حديث احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام أيّام عثمان قوله: ثمّ خطب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم فقال:

 « أيّها الناس أتعلمون أنَّ اللَّه عزّ وجلّ مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أَولى‏ بهم من أنفسهم ؟ » قالوا: بلى‏ يا رسول اللَّه.

 قال: « قم يا عليُّ، فقمت، فقال: من كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاه، أللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه ».

 فقام سلمان، فقال: يا رسول اللَّه ولاءٌ كمَاذا ؟ قال: « ولاءٌ كَوِلاي ؛ من كنتُ أَولى‏ به من نفسه فعليٌّ أَولى‏ به من نفسه »[5].

 وفي حديث مناشدة أميرالمؤمنين عليه السلام يوم صفِّين قوله: ثمّ قال رسول اللَّه‏صلى الله عليه وآله وسلم: « أيّها الناس إنَّ اللَّه مولاي وأنا مولى المؤمنين وأَولى‏ بهم من أنفسهم، من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، أللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله ».

 فقام إليه سلمان الفارسي، فقال: يا رسول اللَّه ولاءٌ كماذا ؟ فقال: « ولاءٌ كَوِلاي ؛ من كنت أَولى‏ به من نفسه فعليّ أَولى‏ به من نفسه »[6].

 وروى الحافظ العاصمي في زين الفتى‏ قال: سُئل عليُّ بن أبي طالب عن قول النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم: « من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ». فقال: « نصبني عَلماً إذا أنا قمت، فمن خالفني فهو ضالٌّ »[7].

 يريد عليه السلام بالقيام قيامه في ذلك المشهد - يوم الغدير - لمّا أمره به رسول اللَّه‏صلى الله عليه وآله وسلم ليرفعه فيعرِّفه، وينصبه عَلَماً للأُمّة، وأشار إليه حسّان في ذلك اليوم بقوله:

 

 فقال له قم يا عليُّ فإنّني‏

رضيتُكَ من بعدي إماماً وهادياً[8]

 

 وفي حديث رواه السيّد الهمداني في مودّة القربى‏[9]: فقال - رسول اللَّه -: « معاشر الناس أليس اللَّه أَولى‏ بي من نفسي يأمرني وينهاني، ما لي على اللَّه أمر ولا نهي » ؟ قالوا: بلى‏ يا رسول اللَّه.

 قال: « من كان اللَّه وأنا مولاه فهذا عليٌّ مولاه ؛ يأمركم وينهاكم ما لكم عليه من أمر ولا نهي، أللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصُر من نصره، واخذُل من خذله، أللّهمّ أنت شهيد عليهم، أنِّي قد بلّغت ونصحت ».

 وقال الإمام الحافظ الواحدي بعد ذكر حديث الغدير: هذه الولاية التي أثبتها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لعليٍّ مسؤولٌ عنها يوم القيامة، رُوي في قوله تعالى‏: «  وَقِفُوهُم إنَّهُم مسؤُولُون »[10] أي عن ولاية عليّ عليه السلام والمعنى‏: أنَّهم يُسألون هل والوه حقّ الموالاة كما أوصاهم النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أم أضاعوها وأهملوها فتكون عليهم المطالبة والتبعة[11] ؟

 وذكره وأخرج حديثه شيخ الإسلام الحمّوئي في فرائد السمطين في الباب الرابع عشر[12]، وجمال الدين الزرندي في نظم درر السمطين[13]، وابن حجر في الصواعق[14]، والحضرمي في الرشفة[15].

 وأخرج الحمّوئي[16] من طريق الحاكم أبي عبداللَّه ابن البيِّع[17] عن محمد بن المظفّر قال: حدّثنا عبداللَّه بن محمد بن غزوان، حدّثنا عليّ بن جابر، حدّثنا محمد بن خالد بن عبداللَّه، حدّثنا محمد بن فضيل، حدّثنا محمد بن سوقة، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبداللَّه بن مسعود قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:

 « أتاني ملك فقال: يا محمد سَلْ من أرسلنا قبلك من رسلنا على‏ ما بُعثوا ؟ [  قال: قلت: على‏ ما بعثوا ؟ قال ][18]: على‏ ولايتك وولاية عليّ بن أبي طالب ».

 وقال[19]: ورُوي عن عليّ‏عليه السلام أ نَّه قال: « جُعلت الموالاة أصلاً من أُصول الدين ».

 وأخرج[20] من طريق الحاكم ابن البيِّع: حدّثنا محمد بن عليّ، حدّثنا أحمد بن حازم، حدّثنا عاصم بن يوسف اليربوعي، عن سفيان بن إبراهيم {  الجُرَيري }[21]، عن أبيه، عن أبي صادق، قال: قال عليّ:

 « أُصول الإسلام ثلاثة لا ينفع واحد منها دون صاحبه: الصلاة، والزكاة، والموالاة ».

 ومرّ عن عمر بن الخطّاب نفي‏الإيمان عمّن لا يكون أمير المؤمنين مولاه[22].

 وقال الآلوسي في تفسيره[23] في قوله تعالى‏ «  وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ » بعد عدّ الأقوال فيها:

 وأَولى‏ هذه الأقوال أنَّ السؤال عن العقائد والأعمال، ورأس ذلك لا إله إلّا اللَّه، ومن أجلّه ولاية عليٍّ كرّم اللَّه تعالى‏ وجهه.

 ومن طريق البيهقي عن الحافظ الحاكم النيسابوري بإسناده عن رسول اللَّه‏صلى الله عليه وآله وسلم:

 « إذا جمع اللَّه الأوّلين والآخرين يوم القيامة، ونصب الصراط على‏ جسر جهنّم لم يَجُزها أحدٌ إلّا من كانت معه براءة بولاية عليّ بن أبي طالب ». وأخرجه محبّ الدين الطبري في الرياض[24].

 ولا يسعنا المجال لذكر ما وقفنا عليه من المصادر الكثيرة المذكور فيها ما ورد في قوله تعالى‏: «  وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ »، وقوله: «  واسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِن رُسُلِنا»[25]، وما أخرجه الحفّاظ عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من حديث البراءة والجواز، فلا أحسب أنَّ ضميرك الحرّ يحكم بملاءمة هذه كلّها مع معنىً أجنبيٍّ عن الخلافة والأولويّة على الناس من أنفسهم، ويراه مع ذلك أصلاً من اُصول الدين، ويُنفى الإيمان بانتفائه، ولا يرى‏ صحّة عمل عامل إلّا به.

 وهذه الأولويّة المعدودة من أُصول الدين والمولويّة التي يُنفى الإيمان بانتفائها - كما مرّ[26] في كلام عمر - صرّح بها عمر لابن عبّاس في كلامه الآخر، ذكره الراغب في محاضراته[27] عن ابن عبّاس قال:

 كنت أسير مع عمر بن الخطّاب في ليلة وعمر على‏ بغل وأنا على‏ فرس، فقرأ آية فيها ذكر عليّ بن أبي طالب، فقال: أما واللَّه يا بني عبدالمطّلب لقد كان عليٌّ فيكم أَولى‏ بهذا الأمر منّي ومن أبي بكر.

 فقلت في نفسي: لا أقالني اللَّه إن أَقَلْته، فقلت: أنت تقول ذلك يا أمير المؤمنين، وأنت وصاحبك وَثَبْتُما وأفرغتما[28] الأمر منّا دون الناس.

 فقال: إليكم يا بني عبدالمطّلب، أما إنَّكم أصحاب عمر بن الخطّاب، فتأخّرتُ وتقدّم هنيهة، فقال: سِر، لا سرتَ، وقال: أعد عليّ كلامك.

 فقلت: إنَّما ذكرتَ شيئاً فرددتُ عليك جوابه، ولو سكتَّ سكتنا.

 فقال: إنَّا واللَّه ما فعلنا الذي فعلنا عن عداوة، ولكن استصغرناه، وخشينا أن لا يجتمع عليه العرب وقريش لِمَا قد وترها.

 قال: فأردتُ أن أقول: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يبعثه، فينطح كبشها، فلم يستصغره، أفتستصغره أنت وصاحبك ؟

 فقال: لا جرم، فكيف ترى‏؟ واللَّه ما نقطع أمراً دونه، ولا نعمل شيئاً حتى‏ نستأذنه.

 وفي شرح نهج البلاغة[29] قال عمر: يا بن عبّاس أما واللَّه إنَّ صاحبك هذا لأَولى الناس بالأمر بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم إلّا أ نَّا خفناه على اثنين.... -  إلى‏ أن قال ابن عبّاس -: فقلت: وما هما يا أمير المؤمنين ؟

 قال: خفناه على‏ حداثة سنِّه، وحبِّه بني عبدالمطّلب.

 وفي {  موضع آخر }: كرهناه على‏ حداثة السنِّ وحبِّه بني عبد المطّلب.

 والشهادة بولاية أمير المؤمنين بالمعنى المقصود هي نور وحكمة مودوعة في قلوب مواليه عليه السلام ودونها كانت تُشَدُّ الرحال، ولتعيين حامل عبئها كانت تبعث الرسل، كما ورد فيما أخرجه البيهقي في المحاسن والمساوئ[30] في حديث طويل جرى‏ بين ابن عبّاس ورجل من أهل الشام من حمص ففيه:

 قال الشاميّ: يا بن عبّاس إنَّ قومي جمعوا لي نفقة، وأنا رسولهم إليك وأمينهم، ولا يسعك أن تردّني بغير حاجتي، فإنَّ القوم هالكون في أمر عليّ، ففرّج عنهم فرّج اللَّه عنك.

 فقال ابن عبّاس: يا أخا أهل الشام إنَّ مَثَل عليٍّ في هذه الاُمّة في فضله وعلمه كمثل العبد الصالح الذي لقيه موسى‏ عليه السلام - ثمّ ذكر حديث اُمّ سلمة، وفيه لعليٍّ فضائل جمّة - فقال الشاميّ يا بن عبّاس ملأتَ صدري نوراً وحكمةً، وفرّجتَ عنّي فرّج اللَّه عنك، أشهد أنَّ عليّاً رضى الله عنه مولاي ومولى‏ كلّ مؤمن ومؤمنة.

 

    «  وهذا صِراطُ رَبِّكَ مُستَقيماً قَدْ فَصَّلنَا الآيَاتِ لِقَومٍ يَذَّكَّرونَ »[31]

 

    {  الدليل السادس: اعتراف علماء العامة }

 لقد تمخّضت الحقيقة عن معنى المولى‏، وظهرت بأجلى‏ مظاهرها ؛ بحيث لم يبقَ للخصم منُتَدَح[32] عن الخضوع لها، إلّا من يبغي لِداداً[33]، أو يرتاد انحرافاً عن الطريقة المُثلى‏، ولقد أوقَفَنا السير على‏ كلمات دُرِّية لجمع من العلماء حداهم التنقيب إلى‏ صُراح الحقّ، فلهجوا به غير آبهين بما هنالك من جلبة ولغط، فإليك عيون ألفاظهم:

ث1 - قال ابن زولاق الحسن بن إبراهيم، أبو محمد المصريّ المتوفّى‏ ( 387 ) في تاريخ مصر:

 وفي ثمانية عشر من ذي الحجّة سنة ( 362 ) - وهو يوم الغدير - تجمّع خلق من أهل مصر والمغاربة ومن تبعهم للدعاء ؛ لأ نَّه يوم عيد ؛ لأنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم عهد إلى‏ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب فيه واستخلفه[34].

 يعرب هذا الكلام عن أنَّ ابن زولاق - وهو ذلك العربيّ المتضلِّع - لم يفهم من الحديث إلّا المعنى الذي نرتئيه، ولم ير ذلك اليوم إلّا يوم عهدٍ إلى‏ أمير المؤمنين واستخلاف.

 2 - قال الإمام أبو الحسن الواحديّ: المتوفّى‏ ( 468 ) بعد ذكر حديث الغدير: هذه الولاية التي أثبتها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لعليّ مسؤول عنها يوم القيامة[35].

 3 - قال حجّة الإسلام أبوحامد الغزالي: المتوفّى‏ ( 505 ) في كتابه سرّ العالمين[36]:

 اختلف العلماء في ترتيب الخلافة وتحصيلها لمن آل أمرها إليه، فمنهم من زعم أنَّها بالنصّ، ودليلهم في المسألة قوله تعالى‏: «  قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى‏ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أو يُسْلِمونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أليماً »[37] وقد دعاهم أبو بكر رضى الله عنه بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم إلى الطاعة فأجابوا، وقال بعض المفسِّرين في قوله تعالى‏: «  وَإِذْ أَسَرّ النَّبِيُّ إِلى‏ بَعْضِ أَزْواجِهِ حَديثاً »[38] قال في الحديث: إنَّ أباكِ هو الخليفة من بعدي يا حُميراء. وقالت امرأة: إذا فقدناك فإلى‏ من نرجع ؟ فأشار إلى‏ أبي بكر. ولأ نّه أمَّ بالمسلمين[39] على‏ بقاء رسول اللَّه، والإمامة عماد الدين.

 هذا جملةُ ما يتعلّق به القائلون بالنصوص، ثمّ تأوّلوا وقالوا: لو كان عليٌّ أوّل الخلفاء لانسحب عليهم ذيل الفناء، ولم يأتوا بفتوح ولا مناقب، ولا يقدح في كونه رابعاً، كما لا يقدح في نبوّة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان آخراً، والذين عدلوا عن هذا الطريق زعموا أنَّ هذا وما يتعلّق به فاسد وتأويل بارد جاء على‏ زعمكم وأهويتكم، وقد وقع الميراث في الخلافة والأحكام مثل داود، وزكريا، وسليمان، ويحيى‏. قالوا: كان لأزواجه ثُمن الخلافة، فبهذا تعلّقوا، وهذا باطل ؛ إذ لو كان ميراثاً لكان العبّاس أولى‏.

 لكن أسفرت الحجّة وجهها، وأجمع الجماهير على‏ متن الحديث من خطبته في يوم غدير خُمّ باتِّفاق الجميع، وهو يقول: « من كنتُ مولاه فعليّ مولاه ». فقال عمر: بخٍ بخٍ [  لك ] يا أبا الحسن لقد أصبحت مولاي ومولى‏ كلِّ مؤمن ومؤمنة، فهذا تسليم، ورضىً وتحكيم، ثمّ بعد هذا غلب الهوى‏ لحبِّ الرئاسة، وحمل عمود الخلافة، وعقود البنود، وخفقان الهوى‏ في قعقعة الرايات، واشتباك ازدهام[40] الخيول، وفتح الأمصار سقاهم كأس الهوى‏، فعادوا إلى الخلاف الأوّل فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون[41].

 4 - قال شمس الدين سبط ابن الجوزي الحنفيّ: المتوفّى‏ ( 654 ) في تذكرة خواص الاُمّة[42]:

 اتّفق علماء السِّيَر أنَّ قصّة الغدير كانت بعد رجوع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من حجّة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجّة، جمع الصحابة وكانوا مئة وعشرين ألفاً، وقال: « من كنت مولاه فعليٌّ مولاه... ». نصّ صلى الله عليه وآله وسلم على‏ ذلك بصريح العبارة دون التلويح والإشارة.

 وذكر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره[43] بإسناده: أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لمّا قال ذلك، طار في الأقطار، وشاع في البلاد والأمصار. ثمّ ذكر ما {  جاء }[44] في آية « سَأَلَ »، فقال:

 فأمّا قوله: « من كنت مولاه » فقال علماء العربيّة: لفظ المولى‏ ترد على‏ وجوه.

 ثمّ ذكر من معاني المولى‏ تسعة[45]، فقال:

 والعاشر بمعنى الأَولى‏، قال اللَّه تعالى‏: «  فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النّارُ هِيَ مَولاكُمْ »[46]. ثمّ طفق يبطل إرادة كلٍّ من المعاني المذكورة واحداً واحداً فقال:

 والمراد من الحديث الطاعة المحضة المخصوصة، فتعيّن الوجه العاشر، وهو: الأَولى‏ ومعناه: من كنت أولى‏ به من نفسه فعليٌّ أَولى‏ به، وقد صرّح بهذا المعنى الحافظ أبو الفرج يحيى بن سعيد الثقفي الأصبهاني في كتابه المسمّى‏ ب ( مرج البحرين ) فإنّه روى‏ هذا الحديث بإسناده إلى‏ مشايخه وقال فيه: فأخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم بيد عليٍّ عليه السلام فقال: « من كنتُ وليّه وأَولى‏ به من نفسه فعليٌّ وليّه »، فعلم أنَّ جميع المعاني راجعة إلى الوجه العاشر، ودلّ عليه أيضاً قوله عليه السلام: « ألست أَولى‏ بالمؤمنين من أنفسهم ؟ »، وهذا نصّ صريح في إثبات إمامته وقبول طاعته، وكذا قوله صلى الله عليه وآله وسلم: « وأَدِرِ الحقّ معه حيثما دار وكيفما دار ».

 5 - قال كمال الدين بن طلحة الشافعيّ: المتوفّى‏ ( 652 ) في مطالب السؤول[47] بعد ذكر حديث الغدير ونزول آية التبليغ فيه:

 فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: « من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه » قد اشتمل على‏ لفظة ( مَن ) وهي موضوعة للعموم، فاقتضى‏ أنَّ كلّ إنسان كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم مولاه كان عليٌّ مولاه. واشتمل على‏ لفظة ( المولى‏ ) وهي لفظةٌ مستعملةٌ بإزاء معانٍ متعدِّدة قد ورد القرآن الكريم بها، فتارةً تكون بمعنى‏ ( أَولى‏ )، قال اللَّه تعالى‏ في حقّ المنافقين: «  مأواكُمُ النّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ » معناه: أَولى‏ بكم.

 ثمّ ذكر من معانيها: الناصر والوارث والعصبة والصديق والحميم والمعتِق، فقال:

 وإذا كانت واردةً لهذه المعاني فعلى‏ أيِّها حملت ؟ أمّا على‏ كونه أَولى‏، كما ذهب إليه طائفة، أو على‏ كونه صديقاً حميماً، فيكون معنى الحديث: من كنت أَولى‏ به أو ناصره أو وارثه أو عصبته أو حميمه أو صديقه فإنَّ عليّاً منه كذلك. وهذا صريح في تخصيصه لعليٍّ عليه السلام بهذه المنقبة العليّة وجعله لغيره كنفسه بالنسبة إلى‏ من دخلت عليهم كلمة ( من ) التي هي للعموم بما لا يجعله لغيره.

 وليُعلَم أنَّ هذا الحديث هو من أسرار قوله تعالى‏ في آية المباهلة: «  فَقُل تَعالوا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ »[48]، والمراد نفس عليٍّ على‏ ما تقدّم، فإنَّ اللَّه تعالى‏ لمّا قرن بين نفس رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وبين نفس عليٍّ عليه السلام وجمعهما بضمير مضافٍ إلى‏ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، أثبت رسول اللَّه لنفس عليّ بهذا الحديث ما هو ثابت لنفسه على المؤمنين عموماً، فإنّه صلى الله عليه وآله وسلم أَولى‏ بالمؤمنين، وناصر المؤمنين، وسيّد المؤمنين، وكلّ معنىً أمكن إثباته ممّا دلّ عليه لفظ ( المولى‏ ) لرسول اللَّه فقد جعله لعليٍّ عليه السلام وهي مرتبة سامية، ومنزلة سامقة، ودرجة عليّة، ومكانة رفيعة، خصّصه بها دون غيره، فلهذا صار ذلك اليوم يوم عيد وموسم سرور لأوليائه.

 تقرير ذلك وشرحه وبيانه: إعلم أظهرك اللَّه بنوره على‏ أسرار التنزيل، ومنحك بلطفه تبصرةً تهديك إلى‏ سواء السبيل، أ نَّه لَمّا كان من محامل لفظة ( المولى‏ ): الناصرُ، وأنَّ معنى الحديث: من كنتُ مولاه فعليٌّ ناصره، فيكون النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم قد وصف عليّاً عليه السلام بكونه ناصراً لكلّ من كان النبيُّ ناصره، فإنّه ذكر ذلك بصيغة العموم، وإنَّما أثبت النبيُّ هذه الصفة - وهي الناصريّة - لعليٍّ لَمّا أثبتها اللَّه عزّ وجلّ لعليٍّ، فإنّه نقل الإمام أبو إسحاق الثعلبي يرفعه بسنده في تفسيره[49] إلى‏ أسماء بنت عميس قالت: لمّا نزل قوله تعالى‏: «  وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُوْمِنينَ »[50] سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول: « صالح المؤمنين عليُّ بن أبي طالب عليه السلام »، فلمّا أخبر اللَّه فيما أنزله على‏ رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنَّ ناصره هو اللَّه وجبريل وعليٌّ، يثبت الناصريّة لعليّ، فأثبتها النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم اقتداءً بالقرآن الكريم في إثبات هذه الصفة له.

 ثمّ وصفه صلى الله عليه وآله وسلم بما هو من لوازم ذلك بصريح قوله، رواه الحافظ أبو نُعَيْم في حليته[51] بسنده: إنَّ عليّاً دخل عليه، فقال: « مرحباً بسيِّد المسلمين، وإمام المتّقين » فسيادة المسلمين وإمامة المتّقين لمّا كانت من صفات نفسه صلى الله عليه وآله وسلم وقد عبّر اللَّه تعالى‏ عن نفس عليّ بنفسه ووصفه بما هو من صفاته، فافهم ذلك.

 ثمّ لم يزل صلى الله عليه وآله وسلم يخصِّصه بعد ذلك بخصائص من صفاته نظراً إلى‏ ما ذكرناه، حتى‏ روى الحافظ {  أبو نُعَيْم } أيضاً في حليته[52] بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه لأبي برزة وأنا أسمع: « يا أبا برزة إنَّ اللَّه عهد إليَّ في عليّ بن أبي طالب أ نَّه راية الهدى‏، ومنار الإيمان، وإمام أوليائي، ونور جميع من أطاعني، يا أبا برزة عليٌّ إمام المتّقين، من أحبّه أحبّني، ومن أبغضه أبغضني، فبشِّره بذلك ».

 فإذا وضح لك هذا المستند ظهرت حكمة تخصيصه صلى الله عليه وآله وسلم عليّاً بكثير من الصفات دون غيره، «  وَفي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ المُتَنافِسُونَ »[53][54].

 6 - قال صدر الحفّاظ فقيه الحرمين أبو عبداللَّه الكنجيّ، الشافعيّ: المتوفّى‏ ( 658 ) في كفاية الطالب[55] بعد ذكر قول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم لعليّ: « لو كنت مستخلفاً أحداً لم يكن أحدٌ أحقّ منك لِقِدْمتك في الإسلام، وقرابتك من رسول اللَّه، وصهرك، عندك فاطمة سيّدة نساء العالمين ».

 وهذا الحديث وإن دلّ على‏ عدم الاستخلاف، لكن حديث غدير خُمّ دليل على التولية، وهي الاستخلاف، وهذا الحديث -  أعني حديث غدير خمّ  - ناسخٌ ؛ كان في آخر عمره صلى الله عليه وآله وسلم.

 7 - قال سعيد الدين الفرغانيّ: المتوفّى‏ ( 699 ) - كما ذكره الذهبيُّ في العبر[56] - في شرح تائيّة ابن الفارض الحموي[57]: المتوفّى‏ ( 576 ) التي أوّلها:

 

 سقتني حُميّا الحبِّ راحةُ مقلتي‏

وكأسي مُحَيّا من عن الحسن جلّتِ‏

 

 في شرح قوله:

 

 وأوضح بالتأويل ما كان مشكلاً

عليٌّ بعلمٍ ناله بالوصيّة

 

 وكذا هذا البيت مبتدأ محذوف الخبر تقديره: وبيان عليّ - كرّم اللَّه وجهه - وإيضاحه بتأويل ما كان مشكلاً من الكتاب والسنّة بواسطة علم ناله ؛ بأن جعله النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وصيّه، وقائماً مقام نفسه بقوله: « من كنت مولاه فعليٌّ مولاه » وذلك كان يوم غدير خُمٍّ على‏ ما قاله - كرّم اللَّه وجهه - في جملة أبيات، منها قوله:

 

 وأوصاني النبيُّ على اختياري‏

لاُ مّته رضاً منه بحكمي‏

 وأوجب لي ولايتَهُ عليكمْ‏

رسولُ اللَّهِ يومَ غديرِ خُمِّ[58]

 

 وغدير خُمّ ماء على‏ منزل من المدينة على طريق يقال له الآن: طريق المشاة إلى‏ مكّة، كان هذا البيان بالتأويل بالعلم الحاصل بالوصيّة من جملة الفضائل التي لا تُحصى‏ خصّه بها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم فورثها - عليه الصلاة والسلام - وقال:

 وأمّا حصّة عليّ بن أبي طالب - كرّم اللَّه وجهه - من العلم والكشف، وكشف معضلات الكلام العظيم، والكتاب الكريم الذي هو من أخصّ معجزاته صلى الله عليه وآله وسلم بأوضح بيان بما ناله بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: « أنا مدينة العلم وعليّ بابها »[59]، وبقوله: « من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه »، مع فضائل أُخر لا تُعَدُّ ولا تُحصى‏.

 8 - قال علاء {  الدولة ركن } الدين أبو المكارم السمنانيّ، البياضيّ، المكيّ: المتوفّى‏ ( 736 ) في العروة { لأهل الخلوة }[60]:

 وقال لعليّ - عليه السلام وسلام الملائكة الكرام -: « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى‏ ولكن لا نبيّ بعدي ».

 وقال في غدير خُمّ بعد حجّة الوداع على ملأ من المهاجرين والأنصار آخذاً بكتفه: « من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، أللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه »، وهذا حديث متّفق على‏ صحّته فصار سيّد الأولياء، وكان قلبه على‏ قلب محمد - عليه التحية والسلام - وإلى‏ هذا السرِّ أشار سيّد الصدِّيقين صاحب غار النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر حين بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى‏ عليّ لاستحضاره بقوله: يا أبا عبيدة أنت أمين هذه الاُمّة أبعثك إلى‏ من هو في مرتبة من فقدناه بالأمس، ينبغي أن تتكلّم عنده بحسن الأدب.

 9 - قال الطِّيبي حسين[61] بن محمد: المتوفّى‏ ( 743 ) في الكاشف في شرح حديث الغدير:

 قوله: « إنّي أَولى‏ بالمؤمنين من أنفسهم » يعني به قوله تعالى‏: «  النَّبيُّ أَوْلى‏ بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِم »[62] أطلق فلم يُعرِّف بأيّ شي‏ء هو أَولى‏ بهم من أنفسهم، ثمّ قيّد بقوله: «  وأَزْواجُهُ أمَّهاتُهُمْ » ؛ ليؤذن بأ نّه بمنزلة الأب، ويؤيِّده قراءة ابن مسعود رضى الله عنه: «  النَّبيُّ أَولَى‏ بالمُؤْمِنينَ مِن أنْفُسِهمْ »، وهو أبٌ لهم. وقال مجاهد: كلّ نبيّ فهو أبو أُمّته، ولذلك صار المؤمنون إخوة، فإذن وقع التشبيه في قوله: « من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه » في كونه كالأب، فيجب على الاُمّة احترامه وتوقيره وبرُّه، وعليه رضى الله عنه أن يشفق عليهم ويرأف بهم رأفة الوالد على الأولاد، ولذا هنّأه عمر بقوله: يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى‏ كلِّ مؤمن ومؤمنة[63].

 10 - قال شهاب الدين بن شمس الدين دولت آبادي: المتوفّى‏ {  849 } في هداية السعداء:

 وفي التشريح قال أبو القاسم رحمه الله: من قال: إنَّ عليّاً أفضل من عثمان فلا شي‏ء عليه ؛ لأ نَّه قال أبو حنيفة رضى الله عنه وقال ابن مبارك: من قال: إنَّ عليّاً أفضل العالمين، أو أفضل الناس، وأكبر الكبراء فلا شي‏ء عليه ؛ لأنّ المراد منه أفضل الناس في عصره وزمان خلافته، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: « من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه » ؛ أي في زمان خلافته، ومثل هذا الكلام قد ورد في القرآن والأحاديث وفي أقوال العلماء بقدر لا يُحصى‏ ولا  يُعدُّ.

 وقال أيضاً في هداية السعداء وفي حاصل التمهيد في خلافة أبي بكر ودستور الحقائق:

 إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم لمّا رجع من مكّة نزل في غدير خُمّ، فأمر أن يُجمَع رحال الإبل، فجعلها كالمنبر، فصعد عليها، فقال: « ألستُ أَولى‏ بالمؤمنين من أنفسهم ؟».

 فقالوا: نعم.

 فقال النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: « من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، أللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله »، وقال اللَّه عزّ وجلّ: «  إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقيمونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكعِونَ »[64].

 قال أهل السنّة: المراد من الحديث: « من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه » ؛ أي في وقت خلافته وإمامته[65].

 11 - قال أبو شكور محمد بن عبدالسعيد بن محمد الكشّي، السالميّ، الحنفيّ في التمهيد في بيان التوحيد[66]:

 قالت الروافض: الإمامة منصوصةٌ لعليِّ بن أبي طالب رضى الله عنه بدليل:

 {  الأوّل: } أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم جعله وصيّاً لنفسه وجعله خليفةً من بعده، حيث قال: « أما ترضى‏ أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى‏ إلّا أ نَّه لا نبيّ بعدي »، ثمّ هارون عليه السلام كان خليفة موسى‏ عليه السلام فكذلك عليٌّ رضى الله عنه.

 والثاني: وهو أنَّ النبيّ عليه السلام جعله والياً للناس لمّا رجع من مكّة ونزل في غدير خُمّ، فأمر النبيُّ أن يجمع رحال الإبل، فجعلها كالمنبر، وصعد عليها، فقال:

 « ألست بأولى المؤمنين[67] من أنفسهم ؟ » فقالوا: نعم.

 فقال صلى الله عليه وآله وسلم: « من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، أللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله »، واللَّه - جلَّ جلاله - يقول: «  إنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقيمونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ » نزلت في شأن عليّ رضى الله عنه، دلّ على‏ أ نَّه كان أَولى الناس بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم.

 ثمّ قال في الجواب عمّا ذكر:

 وأمّا قوله: بأنّ النبيّ عليه السلام جعله وليّاً، قلنا: أراد به في وقته يعني بعد عثمان رضى الله عنه، وفي زمن معاوية رضى الله عنه ونحن كذا نقول، وكذا الجواب عن قوله تعالى‏: «  إنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا... » الآية.

 فنقول: إنَّ عليّاً رضى الله عنه كان وليّاً وأميراً بهذا الدليل في أيّامه ووقته، وهو بعد عثمان رضى الله عنه، وأمّا قبل ذلك فلا.

 12 - قال ابن باكثير المكيّ، الشافعيّ: المتوفّى‏ ( 1047 ) في وسيلة المآل في عدِّ مناقب الآل[68] - بعد ذكر حديث الغدير بعدّة طرق -:

 وأخرج الدارقطني في الفضائل عن معقل بن يسار رضى الله عنه قال: سمعت أبا بكر رضى الله عنه يقول: عليّ بن أبي طالب عترة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم. أي الذين حثَّ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم على التمسك بهم، والأخذ بهديهم، فإنّهم نجوم الهدى‏ من اقتدى‏ بهم اهتدى‏، وخصّه أبو بكر بذلك رضى الله عنه ؛ لأ نَّه الإمام في هذا الشأن، وباب مدينة العلم والعرفان، فهو إمام الأئمّة، وعالم الاُمّة، وكأ نّه أخذ ذلك من تخصيصه صلى الله عليه وآله وسلم له من بينهم يوم غدير خُمّ بما سبق.

 وهذا حديث صحيح لا مِرْية فيه ولا شكّ ينافيه، ورُوي عن الجمِّ الغفير من الصحابة، وشاع واشتهر، وناهيك بمجمع حِجّة الوداع.

 13 - قال السيّد الأمير محمد {  بن إسماعيل بن صلاح الحسني الكحلاني عزالدين } اليمنيّ: المتوفّى‏ ( 1182 ) في الروضة النديّة شرح التحفة العلويّة[69] - بعد ذكر حديث الغدير بعدّة طرق -:

 وتكلّم الفقيه حميد على‏ معانيه وأطال، وننقل بعض ذلك ... - إلى‏ أن قال -: ومنها قوله: أخذ بيده ورفعها، وقال: « من كنت مولاه فهذا مولاه ».

 والمولى‏ إذا أُطلق من غير قرينة فُهم منه أ نَّه المالك المتصرِّف، وإذا كان في الأصل يُستعمل لمعانٍ عدّة:

 منها: المالك للتصرّف، ولذا إذا قيل: هذا مولى القوم سبق إلى الأفهام أ نَّه المالك للتصرّف في أُمورهم - ثمّ عدّ منها: الناصر وابن العمّ والمعتِق والمعتَق، فقال -:

 ومنها: بمعنى الأَولى‏، قال تعالى‏: «  مَأْواكُمُ النّارُ هِيَ مَولاكُمْ » أي أولى‏ بكم وبعذابكم.

 وبعدُ فلو لم يكن السابق إلى الأفهام من لفظة ( مولى ) السابق المالك للتصرّف لكانت منسوبة إلى المعاني كلّها على‏ سواء، وحملناها عليها جميعاً، إلّا ما يتعذّر في حقّه عليه السلام من المُعتِق والمُعتَق، فيدخل في ذلك المالك للتصرّف، والأَولى المفيد ملك التصرّف على الاُمّة، وإذا كان أَولى‏ بالمؤمنين من أنفسهم كان إماماً.

 ومنها: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: « من كنت وليّه فهذا وليّه »، والوليّ المالك للتصرّف بالسبق إلى الفهم، وإن استعمل في غيره، وعلى‏ هذا قال صلى الله عليه وآله وسلم: « والسلطان وليُّ من لا وليَّ له » يريد ملك التصرّف في عقد النكاح، يعني أنَّ الإمام له الولاية فيه حيث لا عصبة بطريق الحقيقة، فإنّه يجب حملها عليها أجمع إذا لم يدلّ دليل على التخصيص.

 14 - قال الشيخ أحمد العجيليّ، الشافعيّ[70] في ذخيرة المآل شرح عقد جواهر اللآل في فضائل الآل - بعد ذكر حديث الغدير وقصّة الحارث بن النعمان الفهري -:

 وهو من أقوى الأدلّة على‏ أنَّ عليّاً رضى الله عنه أَولى‏ بالإمامة والخلافة والصداقة والنصرة والاتّباع باعتبار الأحوال والأوقات والخصوص والعموم، وليس في هذا مناقضة لما سبق وما سيأتي -  إن شاء اللَّه تعالى‏  - من أنَّ علياً رضى الله عنه تكلّم فيه بعض من كان معه في اليمن، فلمّا قضى‏ حجّه خطب بهذا تنبيهاً على‏ قدره وردّاً على‏ من تكلّم فيه كبُرَيدة، فإنّه كان يُبغضه، ولَمّا خرج إلى اليمن رأى جَفوةً فقصّه للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فجعل يتغيرّ وجهه، ويقول: « يا بُرَيدة ألست أَولى‏ بالمؤمنين من أنفسهم ؟ من كنتُ مولاه فعليّ مولاه، لا تقع يا بُريدة في عليّ، فإنَّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّكم بعدي »[71].

 

    «  وَهُدُوا  إلى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا  إلى‏ صِراطِ الْحَميدِ »[72]

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] مسند أحمد 5: 347 [  6: 476 ح‏22436 ]. ( الأميني )

[2] آل عمران: 138.

[3] مسند شمس الأخبار: ص‏38 [  1: 102 باب‏7. نقلاً عن الأنوار وأمالي المؤيّد ]. ( الأميني )

 المؤيّد باللَّه أحمد بن الحسين الهاروني المتوفّى‏ سنة ( 411 ه )، وأماليه تسمّى‏ الأمالي الصغرى‏: ص‏102 الحديث - 18 في تفسير الموالاة. ( السبطين )

 

[4] الغدير 1: 200، 201 الطبعة المتداولة و 1: 402 الطبعة المحقّقة، نقلاً عن كتاب سُلَيم بن قيس الهلالي 2: 836 ح‏42. ( السبطين )

[5] الغدير 1: 165 الطبعة المتداولة و 1: 337 الطبعة المحقّقة، فرائد السمطين 1: 315 ح‏250، كتاب سُلَيم بن قيس الهلالي 2: 644 ح‏11. ( السبطين )

[6] الغدير 1: 196 الطبعة المتداولة و 1: 396 الطبعة المحقّقة، نقلاً عن كتاب سُلَيم بن قيس الهلالي 2:  758 ح‏25. ( السبطين )

[7] زين الفتى‏ في شرح سورة هل أتى‏ 1: 495 ح‏295. وفي معناه أخرج الحافظ الخطيب أبو الحسن الجُلّابي ابن المغازلي الشافعي في مناقب عليّ بن أبي طالب: ص‏45 ح‏68. ( السبطين )

[8] راجع تفصيل ذلك في الغدير 1: 15، 23، 165، 217 الطبعة المتداولة و 1: 43، 62، 337، 428 الطبعة المحقّقة. ومصادر رواية ذلك المشهد العظيم كثيرة، منها على سبيل المثال:

 مناقب الخوارزمي المكي الحنفي: ص‏61 ح‏31، تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص‏158، أُسد الغابة 1: 364 رقم‏812، فرائد السمطين لشيخ الإسلام الإمام الجويني 1: 315 ح‏250، الدر المنثور 3: 117، وفيما مرّ من مصادر في القرائن العشرين.

 وفي بيت حسان بن ثابت راجع: ص‏92 من كتابنا هذا السبطين )

 

[9] اُنظر: المودّة الخامسة.

[10] الصافّات: 24.

[11] وممن ذكر هذه الآية بهذا التفسير عدة من الأئمة والحفاظ، منهم: الحاكم الحَسْكاني في شواهد التنزيل 2: 160 - 164 ح‏785 - 790، الحافظ أبو نُعَيم في ما نزل من القرآن في عليّ عليه السلام: ص‏196 ح‏53 و 54، سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: ص‏17، الفيروزآبادي في فضائل الخمسة من الصحاح الستة 1: 328، القندوزي الحنفي في ينابيع المودّة 1: 334 ح‏11 باب 37 ناقلاً الحديث عن فردوس الأخبار للديلمي ولكن مع الأسف لم نعثر على الآية وتفسيرها في الفردوس من طبعته الحديثة المحقّقة، وكذا كثير ممن نقل عن الواحدي في تفسيره لهذه السورة، فإنّنا لم نعثر على شي‏ء من تفسيره أعلاه ضمن ما لدينا من تفسيريه الوسيط والوجيز أو أسباب النزول المطبوعة حديثاً !! ( السبطين )

[12] فرائد السمطين 1: 79 ح‏47.

[13] نظم درر السمطين: ص‏109.

[14] الصواعق المحرقة: ص‏89 [  ص‏149 ]، {  وفي طبعة حديثة اُخرى: ص‏229 باب 11 فصل  -  1، الآية  4 ناقلاً رأي العلّامة الإمام الواحدي }. ( الأميني )

[15] رشفة الصادي: ص‏24 {  ص‏55 }. ( الأميني )

[16] فرائد السمطين 1: 81 ح‏52.

[17] معرفة علوم الحديث: ص‏96.

[18] مابين المعقوفتين أثبتناه من المصدر.

[19]

[20] 4) و (5) فرائد السمطين 1: 79 ح‏48 و49.

[21] 6) في الأصل: الحرنوي، لكنه في فرائد السمطين (الحريري)، والصواب ما أثبتناه كما في رجال الطوسي. وراجع تنقيح المقال 2: 35. ( السبطين )

[22] 7) راجع ( القرينة العشرون ): ص‏161 من كتابنا هذا. ( السبطين )

[23] 8) روح المعاني 23: 74 [  23: 80 ]. ( الأميني )

[24] الرياض النضرة 2: 172 [  3: 116 ]. ( الأميني )

[25] الزخرف: 45.

[26] راجع: ص‏161 من كتابنا هذا. ( السبطين )

[27] محاضرات الاُدباء 2: 213 [  مج‏2 ج 4: 478 ]. ( الأميني )

[28] في المصدر: وافترعتما.

[29] شرح نهج البلاغة {  لابن أبي الحديد } 2: 20 و 115 [  6: 50 خطبة 66 و12: 82 خطبة223 ]. ( الأميني )

[30] المحاسن والمساوئ 1: 30 [  ص‏43 - 45 ]. ( الأميني )

[31] الأنعام: 126.

[32] المنتدح: السعة والوسع. لسان العرب 14: 188 (مادة ندح). ( السبطين )

[33] الألد: الخصم الجدل الشحيح الذي لايزيغ إلى الحق. لسان‏العرب 12: 263 (مادةلدد). ( السبطين )

[34] وحكاه عنه المقريزي في الخطط 2: 222 [  1: 389 ]. (الأميني)

[35] راجع تمام العبارة في: ص‏168 من كتابنا هذا. ( السبطين )

[36] سرّ العالمين: ص‏9. لا شكّ في نسبة الكتاب إلى الغزالي، فقد نصّ عليه الذهبي في ميزان الاعتدال [  1: 500 رقم‏1872 ] في ترجمة الحسن بن صباح الإسماعيلي، وينقل عنه قصّته -  وصرّح بها سبط ابن الجوزي في التذكرة: ص‏36 [  ص‏62 ] -  وشطراً من الكلام المذكور. ( الأميني )

[37] الفتح: 16 .

[38] التحريم: 3.

[39] كذا في المصدر.

[40] الازدهام: القرب.

[41] سرّ العالمين: ص‏20.

[42] تذكرة الخواص: ص‏18 [  ص‏30 ]. ( الأميني )

[43] الكشف والبيان: الورقة234 سورة المعارج: آية 1.

[44] والذي جاء في رواية الثعلبي بعد أن أسندها إلى سفيان بن عيينة، قال: لما كان رسول اللَّه بغدير خمّ نادى‏ الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد عليٍّ، فقال: « من كنت مولاه فعلي مولاه »، فشاع ذلك وطار في البلاد، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، فأتى‏ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم على‏ ناقة له حتى أتى الأبطح، فنزل عن ناقته فأناخها، فقال:

 يا محمد أمرتنا عن اللَّه أن نشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وأ نَّك رسول اللَّه فقبلناه، وأمرتنا أن نصلّي خمساً فقبلناه منك، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا، وأمرتنا أن نصوم شهراً فقبلناه، وأمرتنا بالحجّ فقبلنا، ثمّ لم ترض بهذا حتى رفعتَ بضبعَيْ ابن عمك ففضّلته علينا، وقلت: « من كنت مولاه فعليّ مولاه »، فهذا شي‏ء منك، أم من اللَّه ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: « والذي لا إله إلّا هو إنَّ هذا من اللَّه ».

 فولّى‏ الحارث بن النعمان يريد راحلته، وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم.

 فما وصل إليها حتى رماه اللَّه تعالى بحجر، فسقط على هامته، وخرج من دبره وقتله، وأنزل اللَّه عزّ وجلّ: «  سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذابٍ وَاقِعٍ ».

 ومرّ ذكر بعض المصادر التي أخرجت القصة في: ص‏96 من كتابنا هذا. ( السبطين )

 

[45] وهي: المالك، المعتِق -  بالكسر  - ، المعتَق -  بالفتح  -، الناصر، ابن العمّ، الحليف، المتولّي لضمان الجريرة، الجار، السيّد المطاع. (الأميني)

[46] الحديد: 15.

[47] مطالب السؤول: ص‏16. (الأميني)

[48] آل عمران: 61.

[49] الكشف والبيان: الورقة 216، سورة التحريم: آية 4.

[50] التحريم: 4.

[51] حلية الأولياء 1: 66. (الأميني)

[52] المصدر السابق: ص‏67. ( الأميني )

[53] المطفّفين: 26. ( السبطين )

[54] نقلنا هذا الكلام على‏ علّاته وإن كان لنا نظر في بعض أجزائه. (الأميني)

[55] كفاية الطالب: ص‏69 [  ص‏166 باب‏36 ]. ( الأميني )

[56] العِبَر في خبر من غبر 3: 399.

[57] للفرغاني على التائية شرحان: فارسي سمّاه مشارق الدراري مطبوع في إيران، وعربي اسمه منتهى المدارك، طبع في مطبعة الصنائع في اسطنبول سنة1293، وكلامه هذا في شرح البيت رقم‏620 من التائيّة، ويقع في هذه الطبعة في 2: 145.

[58] مرّ تخريج مصادر الأبيات في: ص‏92 من كتابنا هذا فراجع. ( السبطين )

[59] الحديث أخرجته اُمّة من الحفّاظ والأعلام من غير الشيعة الإمامية ما يعسر حصرهم هنا. فقد أخرجوه بطرق وأسانيد أغلبها صحيحة، بل حتى الضعيف منها فإنّه يعتضد بكثرة تواتره، ويرتفع إلى الحسن إن لم نقل بالصحة التامة. بل إنَّ البعض أخرجه مرسلاً إيّاه إرسال المسلّمات، لِمَا وجد من كثرة طرقه.

 فقد تواتر عن عشرة من الصحابة وأربعة عشر من التابعين، وأخرجه عبر أحد  عشر قرناً أكثر من (140) من الحفّاظ والمحدثين والأعلام في مهمات كتبهم، ونحن ذاكرون من كل قرن عدداً كأنموذج على سبيل الاختصار والتمثيل:

 1 - يحيى بن معين ( 233 ). 2 - أحمد بن حنبل ( 241 ). 3 - الترمذي ( 279 ). 4 - الطبري ( 310 ). 5 - البيهقي ( 458 ). 6 - النووي ( 676 ). 7  -  المزّي ( 742 ). 8 - السخاوي ( 902 ). 9 - السيوطي ( 911 ). 10 - ابن حجر الهيتمي ( 974 ). 11 - المناوي ( 1031 ). 12 - شاه ولي اللَّه الدهلوي ( 1176 ). 13 - الآلوسي ( 1270 ).

 وأما من صحّحه أو حسّنَه فعدة تبلغ نحو ( 25 ) محدِّثاً أو حافظاً وعلماً منهم: يحيى بن معين، والطبري، والعلائي، وشمس الدين الجزري، والسخاوي، والسيوطي، والبدخشاني، ومحمد صدر العالم، وثناء اللَّه الباني بتي، وبدر الدين الزركشي، والسمهودي، وابنا حجر العسقلاني والهيتمي، والمناوي، والزرقاني.

 وأ مّا من أرسله مسلِّماً بصحة صدوره من الحضرة النبويّة، فهم عدة تزيد على‏ ( الثلاثين ) بكثير، فالحديث إضافة إلى تواتره فقد اشتهر شهرة واسعة جعلت من هذه العدة باخعين بثبوته سنداً ودلالة على أعلمية عليّ عليه السلام‏وتقدّمه على‏ جميع الصحابة.

 وهناك تفصيلات نافعة ومفيدة بسط القول فيها العلم الحجة السيد حامد حسين اللكهنوي في الجزء الخامس من عبقات الأنوار الّذي جاء في مجلّدين ضخمين الأوّل ضمّ السند، والثاني بحث في دلالة الحديث. ( السبطين )

 

[60] العروة لأهل الخلوة: ص‏422. وفي الأصل كتب: العروة الوثقى‏، وهو سهو سبق قلم المؤلف إليه، صوابه ما أثبتناه. ( السبطين )

[61] في الأصل: حسن، وكذا بعض من ترجمه ذكره مكبّراً، ونحسبه تصحيف أو من سهو الطبع، وإلّا فالمرجّح هو حسين مصغّراً كما في الدرر الكامنة 2: 68، وأعلام الزركلي 2: 256، ومواضع من كشف الظنون. ( السبطين )

[62] الأحزاب: 6 .

[63] لقد أخذ الطِّيبي تشبيهه هذا مما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله: « حق عليّ بن أبي طالب على هذه الاُمّة كحق الوالد على ولده »، وفي لفظ آخر « حقّ عليّ على المسلمين كحقّ الوالد على الولد » رواه: أخطب خوارزم في المناقب: ص‏309 و 321 ح‏306 و 327، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 42: 307، والديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب 2: 132 ح‏2674، والمناوي في كنوز الحقائق من حديث خير الخلائق 1: 261 ح‏3310، والحافظ ابن المغازلي الشافعي في مناقب عليّ بن أبي طالب: ص‏47 ح‏70، وشيخ الإسلام الجويني في فرائد السمطين 1: 269 ح‏234 و 235، والشيخ الطوسي في الأمالي: ص‏271 ح‏503 المجلس العاشر بلفظ: حقّ عليّ على الناس.

 أما منزلة الأب فهي لا تنحصر بالاحترام والتوقير والبر من قبل الأولاد، وإن كانت لازمة لهم. كما لا تقتصر على الشفقة والرأفة بالأبناء من قبل الأب، كما صورها الطِّيبي، فهذه لها مدخلية بالجانب العاطفي الاُسري. وإلّا فالأب ولي أمر أبنائه ومالك لجميع تصرفاتهم، وهو حاكم عليهم يلي كلّ شؤونهم، ولا يبرمون شيئاً إلّا بأمره، كما أ نّهم لا يعصون له أمراً فصار كالحاكم السلطان على الاُ مّة، حاكم على الاُسره. ومن هنا جاء التشبيه بالاُبوّة على أساس الولاية والحاكمية على الأفراد والتصرف بشؤونهم، لا مجرد تبادل عواطف البر والصلة والرأفة. ( السبطين )

 

[64] المائدة: 55. ( السبطين )

[65] قصدنا من إيراد هذا القول وما يأتي بعده محض الموافقة في المفاد، وأمّا ظرف الولاية والأفضلية فلا نصافق الرجل عليه، وقد قدّمنا البحث عن ذلك مستقصىً { راجع من ذلك مثلاً القرينة الثامنة من القرائن العشرين }، وسيأتي فيه بياننا الواضح {  ص‏187 من كتابنا هذا }.( الأميني )

[66] التمهيد في بيان التوحيد: ص‏167 .

[67] كذا في المصدر.

[68] وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل: ص‏118 باب‏4 .

[69] الروضة النديّة شرح التحفة العلويّة: ص‏159.

[70] مرّت الإشارة إلى كتابه وترجمته: ص‏82. وذكرنا وفاته سنة ( 1233 ه ). ( السبطين )

[71] مرّ الكلام حول هذا الحديث وأمثاله في الغدير 1: 383، 384 الطبعة المتداولة. (الأميني)

    راجع الغدير 1: 667 - 669 الطبعة المحقّقة، وراجع أيضاً: ص‏164 من كتابنا هذا. ( السبطين )

 

[72] الحجّ: 24.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page