محطة التـزوّد بالوقود الروحيّ
فليلة القدر هي محطّة للتـزوّد بالوقود الروحي. والإنسان يحتاج إلى محطّات في حياته، ويحتاج الى منابع، وهذه المنابع موجودة ومتوفّرة في ليلة القدر كما أن الإنسان تلزمه إعادة النظر في حياته الروحية في ليلة القدر، ولعظمـة هذه الليلة وأهميّتها لما أكّد عليها الخالق عز وجل كلّ هذا التأكيد الذي يفوق أيّ تأكيد آخر على أية مناسبة أخرى، لأنها - أي هذه الليلة - مفعمة بالمعاني والدلالات الروحيّة، ولذلك جاء التأكيد على أداء الممارسات العباديّة فيها، ومنها الصلاة المندوبة التي على الإنسان المسلم أن يؤدّيها فرادى لكي لا يختلط عمله بالرياء. فصلاة الليل هي الصلاة التي سنّت وشرعت لتكريس العلاقة الروحية، هذا التكريس الذي لا يمكن أن يحدث إلاّ إذا أدّى الإنسان العبادات بعيداً عن الناس.
ترى من منّا فكّر أن يخلو الى نفسه في زاوية من الزوايا ليلة أو ليلتين ليعيد النظر في علاقته مع الله عز وجل، وفي سلوكه وتصرّفاته؟ ومن منّا فكّر في أنه هل هو من أهل الجنّة أم من أهل النار، وهل أنّ أعماله قرآنية أم لا؟
وإذا ما مات الإنسان فإنّ فرصته لا يمكن أن تعود، فلماذا يستمرّ في خداع ذاته، ولماذا لا يتنبّه من غفلته، وقد ورد: "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا". ([72])
وأنا أتصوّر إنّ الإنسان يشبه الى حد كبير الرجل الذي ابتلع مجموعة ضخمة من الحبوب المنوّمة، وهو يعرف أن علاجه أن يستيقظ من النوم ليداوي ويعالج نفسه بقوّة إرادته، ثم هو يوقظ نفسه ولكن لعدة دقائق تضعف إرادته بعدها ليتغلّب عليه النوم مرّة أخرى، ثم ينتبه مرّة أخرى من خلال عامل إيقاظ ذاتي أو خارجي ثم إذا به ينام مرّة أخرى وهكذا. وحتى ينتبه الانتباه المطلوب فانه بحاجة الى المزيد من الوقت.
وقد أثبت علم النفس الحديث ان الإنسان إذا تعوّد - مثلاً- أن يطالع في غرفة معينة ووفق شروط خاصّة خلال ساعة محدّدة، فعندما يحين الوقت يجد نفسه مشدوداً الى المطالعة دون إرادته، وهذه عادة النفس البشرية.
________________________________
([72]) بحار الأنوار، ج66، ص306.