• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

دستور الولاه

دستور الولاه

من رساله كتبها للاشتر النخعى لما ولاه على مصر و اعمالها فى عهد خلافته. و هى من جلائل رسائله و وصاياه، و اجمعها لقوانين المعاملات المدنيه و الحقوق العامه و التصرفات الخاصه فى نهج الامام. كما انها من اروع ما انتجه العقل و القلب جميعا فى تقرير علاقه الحاكم بالمحكوم، و فى مفهوم الحكومه، حتى ان الامام سبق عصره اكثر من الف سنه بجمله ما ورد فى هذه الرساله- الدستور، من اشراق العقل النير و القلب الخير.

ثم اعلم يا مالك انى قد وجهتك الى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل و جور، و ان الناس ينظرون من امورك فى مثل ما كنت تنظر فيه من امور الولاه قبلك، و يقولون فيك ما كنت تقول فيهم، و انما يستدل على الصالحين بما يجرى الله لهم على السن عباده، فليكن احب الذخائر اليك ذخيره العمل الصالح، فاملك هواك و شح بنفسك عما لا يحل لك

فان الشح بالنفس الانصاف منها فى ما احبت او كرهت.

[الشح: البخل. يقول: انتصف من نفسك فى ما احبت و كرهت، اى ابخل بها و لا تمكنها من الاسترسال فى ما احبت، و احرص على صفائها كذلك بان تحملها على ما تكره ان كان ذلك فى الحق.] و اشعر قلبك الرحمه للرعيه، و المحبه لهم، و اللطف بهم. و لا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغنتم اكلهم فانهم صنفان: اما اخ لك فى الدين او نظير لك فى الخلق، يفرط منهم الزلل

[يفرط: يسبق. الزلل: الخطاء.]، و تعرض لهم العلل، و يوتى على ايديهم فى العمد و الخطاء

[يوتى على ايديهم: تاتى السيئات على ايديهم.]، فاعطهم من عفوك و صفحك مثل الذى تحب ان يعطيك الله من عفوه و صفحه، فانك فوقهم و والى الامر عليك فوقك، و الله فوق من ولاك! و لا تندمن على عفو، و لا تبجحن بعقوبه و لا تسرعن الى بادره وجدت منها مندوحه.

[بجح بالشى ء: فرح به. البادره: ما يبدر من الحده عند الغضب فى قول او فعل.

المندوحه: المتسع الذى يمكن المرء من التخلص.]

انصف الله و انصف الناس من نفسك و من خاصه اهلك و من لك فيه هوى من رعيتك

[من لك فيه هوى، اى: من تميل اليه ميلا خاصا.]، فانك الا تفعل تظلم! و من ظلم عبادالله كان الله خصمه دون عباده. و ليس شى ء ادعى الى تغيير نعمه الله و تعجيل نقمته من اقامه على ظلم، فان الله سميع دعوه المضطهدين و هو للظالمين بالمرصاد.

وليكن احب الامور اليك اوسطها فى الحق، و اعمها فى العدل و اجمعها لرضا الرعيه، فان سخط العامه يجحف برضا الخاصه،

و ان سخط الخاصه يغتفر مع رضا العامه.

[يحجف: يذهب. يقول للحاكم: اذا رضى عليك الخاصه و سخط عليك العامه، فلا ينفعك رضا اولئك مع سخط هولاء. اما اذا رضى عليك العامه، و هولاء لا يرضيهم الا العدل، فسخط الخاصه مغتفر.] و ليس احد من الرعيه اثقل على الوالى موونه فى الرخاء و اقل معونه له فى البلاء، و اكره للانصاف، و اسال بالالحاف

[الالحاف: الالحاح.]، و اقل شكرا عند الاعطاء، و ابطا عذرا عند المنع، و اضعف صبرا عند ملمات الدهر، من اهل الخاصه.

[يقول: ليس هنالك من هم اثقل على الحاكم، و اقل نفعا له و اكثر ضررا عليه من خاصته و المتقربين اليه من ذوى الثروه و الوجاهه يلازمونه و يلحون عليه فى قضاء حاجاتهم و يرهقونه بالمسائل و الشفاعات و يغنمون عن سبيله المغانم و يثرون على حساب العامه، ثم يجحدون كل ذلك و لا يساندون الحاكم او الجمهور فى نائبه او ازمه. فهم لذلك فئه يجب على الحاكم الصالح ان ينبذها و يعتمد على العامه دون سواهم.]

اطلق عن الناس عقده كل حقد، و اقطع عنك سبب كل وتر

[الوتر: العداوه: يقول: احلل عقده الاحقاد من قلوب الناس بالعدل فيهم و حسن السيره معهم. و اقطع السبب فى عداء الناس لك بالاحسان اليهم قولا و عملا.]، و لا تعجلن الى تصديق ساع فان الساعى غاش و ان تشبه بالناصحين.

ان شر وزرائك من كان للاشرار قبلك وزيرا، و من شركهم فى الاثام، فلا يكونن لك بطانه

[البطانه: الخاصه.] فانهم اعوان الاثمه و اخوان

الظلمه

[الاثمه: جمع آثم. الظلمه: جمع ظالم.]، و انت واجد منهم خير الخلف ممن لم يعاون ظالما على ظلمه و لا آثما على اثمه. ثم ليكن آثرهم عندك اقولهم بمر الحق لك

[آثرهم: افضلهم. مراره الحق. صعوبته. يقول: ليكن افضل وزرائك و اعوانك فى نظرك اصدقهم و اكثرهم قولا بالحق مهما كان الحق صعبا على نفسك.] و اقلهم مساعده فى ما يكون منك مما كره الله لاوليائه واقعا "ذلك" من هواك حيث وقع. و الصق باهل الورع و الصدق ثم رضهم على ان لا يطروك و لا يبجحوك بباطل لم تفعله.

[رضهم: عودهم. يطروك: يطنبوا فى مدحك. يبجحوك بباطل لم تفعله: يفرحوك بان ينسبوا اليك عملا عظيما لم تكن فعلته.]

و لا يكونن المحسن و المسى ء عندك بمنزله سواء، فان فى ذلك تزهيدا لاهل الاحسان فى الاحسان، و تدريبا لاهل الاساءه على الاساءه! و الزم كلا منهم ما الزم نفسه

[اى: احسن الى المحسن بما الزم نفسه، و هو استحقاق الاحسان. و عاقب المسى ء بما الزم نفسه كذلك، و هو استحقاق العقاب.] و اعلم انه ليس شى ء بادعى الى حسن ظن راع برعيته من احسانه اليهم

[ليس هنالك ما يحمل الوالى على الاطمئنان الى ان قلوب الناس معه كالاحسان اليهم و العدل فيهم و تخفيف الاثقال عن كواهلهم. و هم فى غير هذه الحال اعداء له ينتهزون الفرصه للثوره عليه، و اذ ذاك يسوء ظنه بهم.] و تخفيفه الموونات عنهم، و ترك استكراهه اياهم على ما ليس قبلهم

[قبلهم، بكسر ففتح: عندهم.]، فليكن منك فى ذلك امر يجتمع لك به

حسن الظن برعيتك، و ان احق من حسن ظنك به لمن حسن بلاوك عنده، و ان احق من ساء ظنك به لمن ساء بلاوك عنده.

[البلاء: الصنع، حسنا او سيئا.]

و اكثر مدارسه العلماء و مناقشه الحكماء

[المنافثه: المحادثه.] فى تثبيت ما صلح عليه امر بلادك، و اقامه ما استقام به الناس قبلك.

ول من جنودك انصحهم فى نفسك لله و لرسوله و لامامك، و انقاهم جيبا و افضلهم حلما: ممن يبطى ء عن الغضب، و يستريح الى العذر، و يراف بالضعفاء، و ينبو على الاقوياء

[ينبو: يشتد و يعلو. يامر الحاكم بان يولى من جنوده من لا يضعف امام الاقوياء و الاثرياء و النافذين بل يعلو عليهم و يشتد ليمنعهم من ظلم الضعفاء و الفقراء و البسطاء.] و ممن لا يثيره العنف، و لا يقعد به الضعف.

و ان افضل قره عين الولاه استقامه العدل فى البلاد، و ظهور موده الرعيه، و انه لا تظهر مودتهم الا بسلامه صدورهم، و لا تصح نصيحتهم الا بحيطتهم على ولاه الامور و قله استثقال دولهم.

[الحيطه، بكسر الحاء: مصدر 'حاط' بمعنى: صان و حفظ، يقول: ان موده الرعيه لا تظهر و نصيحتهم لا تصح الا بقدر ما يرغبون فى المحافظه على ولاتهم و يحرصون على بقائهم و لا يستثقلون مده حكمهم.]

ثم اعرف لكل امرى ء منهم ما ابلى، و لا تضيفن بلاء امرى ء الى

غيره

[لا تنسبن صنيع امرى ء الى غيره.]، و لا يدعونك شرف امرى ء الى ان تعظم من بلائه ما كان صغيرا، و لا ضعه امرى ء الى ان تستصغر من بلائه ما كان عظيما.

ثم اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك فى نفسك

[انتقال من الكلام فى الجند الى الكلام فى القضاه.] ممن لا تضيق به الامور و لا تمحكه الخصوم

[تمحكه: تغضبه.] و لا يتمادى فى الزله، و لا تشرف نفسه على طمع، و لا يكتفى بادنى فهم دون اقصاه

[لا يكتفى بما يبدو له باول فهم و اقربه، بل يتامل و يدرس حتى ياتى على اقصى الفهم و ادناه من الحقيقه.] و اوقفهم فى الشبهات

[الشبهات، جمع شبهه، و هى ما لا يتضح الحكم فيها بالنص، فينبغى العمل لرد الحادثه التى ينظر فيها الى اصل صحيح.] و آخذهم بالحجج، و اقلهم تبرما بمراجعه الخصم، و اصبرهم على تكشف الامور، و اصرمهم عند اتضاع الحق، ممن لا يزدهيه اطراء، و لا يستميله اغراء، و اولئك قليل. ثم اكثر تعاهد قضائه

[اى: تتبع قضاءه بالاستكشاف و التعرف.] و افسح له فى البذل ما يزيل علته و تقل معه حاجته الى الناس و اعطه من المنزله لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليامن بذلك اغتيال الرجال له عندك.

ثم انظر فى امور عمالك فاستعملهم اختبارا، و لا تولهم محاباه

و اثره فانهم جماع من شعب الجور و الخيانه.

[اى: و لهم الاعمال بالاختبار و التجربه، لا ميلا منك لمعاونتهم و لا استبدادا منك برايك، فان المحاباه و الاثره يجمعان الظلم و الخيانه معا.] ثم تفقد اعمالهم و ابعث العيون

[العيون: الرقباء.] من اهل الصدق و الوفاء عليهم، فان تعاهدك فى السر لامورهم حدوده لهم

[حدوده: سوق وحث.] على استعمال الامانه و الرفق بالرعيه. و تحفظ من الاعوان فان احد منهم بسط يده الى خيانه اجتمعت بها عليه

[اجتمعت عليها اخبار عيونك: اتفقت عليها اخبار رقبائك.] عندك اخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا فبسطت عليه العقوبه فى بدنه، و اخذته بما اصاب من عمله، ثم نصبته بمقام المذله، و وسمته بالخيانه، و قلدته عار التهمه.

و تفقد امر الخراج بما يصلح اهله، فان فى صلاحه و صلاحهم صلاحا لمن سواهم. و لا صلاح لمن سواهم الا ابهم، لان الناس كلهم عيال على الخراج و اهله. وليكن نظرك فى عماره الارض ابلغ من نظرك فى استجلاب الخراج لان ذلك لا يدرك الا بالعماره. و من طلب الخراج بغير عماره اخرب البلاد و اهلك العباد و لم يستقم امره الا قليلا. و لا يثقلن عليك شى ء خففت به الموونه عنهم فانه ذخر يعودون به عليك فى عماره بلادك.

و ان العمران محتمل ما حملته، و انما يوتى خراب الارض من

اعواز اهلها، و انما يعوز اهلها لاشراف انفس الولاه على الجمع

[اشراف انفس الولاه على الجمع: تطلعهم الى جمع المال و ادخاره لانفسهم طمعا و جشعا.] و سوء ظننهم بالبقاء و قله انتفاعهم بالعبر.

ثم انظر فى حال كتابك فول على امورك خيرهم، ممن لا يجهل مبلغ قدر نفسه فى الامور، فان الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره اجهل. ثم لا يكن اختيارك اياهم على فراستك و استنامتك

[الفراسه: قوه الظن و ادراك الباطن من النظر فى الظاهر. الاستنامه: الاطمئنان الى حسن الراى. اى: لا يكن اختيارك للكتاب متاثرا بميلك الخاص و فراستك التى قد تخطى ء.] و حسن الظن منك، فان الرجال يتعرفون لفراسات الولاه بتصنعهم و حسن خدمتهم

[اى يخدمون الولاء بما يطيب لهم توسلا الى حسن ظن هولاء بهم.]، و ليس وراء ذلك من النصيحه و الامانه شى ء. و مهما كان فى كتابك من عيب فتغابيت عنه الزمته.

[اذا تغابيت عن عيب فى كتابك كان ذلك العيب لاصقا بك.]

ثم استوص بالتجار و ذوى الصناعات و اوص بهم خيرا: المقيم منهم و المضطرب بماله

[المتردد بامواله بين البلدان.]، فانهم مواد المنافع و اسباب المرافق، و تفقد امورهم بحضرتك و فى حواشى بلادك. و اعلم مع ذلك ان فى كثير منهم ضيقا فاحشا و شحا قبيحا و احتكارا للمنافع و تحكما فى البياعات، و ذلك باب مضره للعامه و عيب على الولاه، فامنع من الاحتكار فان رسول الله صلى

الله عليه و سلم منع منه. وليكن البيع بيعا سمحا: بموازين عدل، و اسعار لا تجحف بالفريقين من البائع و المبتاع

[المبتاع: المشترى.] فمن قارف حكره بعد نهيك اياه فنكل به و عاقبه فى غير اسراف.

[قارف: خالط. الحكره: الاحتكار. نكل به: اوقع به العذاب عقوبه له. يقول: من احتكر بعد النهى عن الاحتكار عاقبه لكن من غير اسراف فى العقوبه يتجاوز عن حد العدل فيها.]

ثم يتحدث الامام فى رحمالته هذه الى مالك الاشتر عن الطققه المعوزه فيقول:

و احفظ لله ما استحفظك من حقه فيهم، و اجعل لهم قسما من بيت مالك فان للاقصى منهم مثل الذى للادنى، و كل قد استرعيت حقه، فلا يشغلنك عنهم بطر

[البطر: طغيان النعمه.] فانك لا تعذر بتضييعك التافه

[يقول: لا عذر لك باهمالك القليل اذا احكمت الكثير.] لاحكامك المهم، فلا تشخص همك عنهم

[لا تشخص همك عنهم: لا تصرف همك عنهم.] و لا تصعر خدك لهم

[صعر خده: اماله عن النظر الى الناس تهاونا و كبرا.] و تفقد امور من لا يصل اليك منهم ممن تقتحمه العيون

[تقتحمه العيون: تكره ان تنظر اليه احتقارا.] و تحقره الرجال، فان هولاء من بين الرعيه احوج الى الانصاف من غيرهم. و تعهد

اهل اليتم و ذوى الرقه فى السن

[ذوو الرقه فى السن: المتقدمون فيه.] ممن لا حيله له، و لا ينصب للمساله نفسه، و ذلك على الولاه ثقيل، و الحق كله ثقيل!

و اجعل لذوى الحاجات منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك، و تجلس لهم مجلسا عاما فتتواضع فيه لله الذى خلقك، و تقعد عنهم جندك و اعوانك

[اى: تامر بان يقعد عنهم جندك و اعوانك و بالا يتعرضوا لهم.] من احراسك و شرطك حتى يكلمك متكلمهم غير متتعتع

[التعتعه فى الكلام: التردد فيه من عجز وعى، او من خوف.] فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول فى غير موطن

[فى مواطن كثيره.]: 'لن تقدس امه لا يوخذ للضعيف فيها حقه من القوى غير متتعتع!' ثم احتمل الخرق منهم و العى

[الخرق: العنف. العى: العجز عن النطق. اى: لا تضجر من هذا و لا تغضب من ذاك.] و نح عنهم الضيق و الانف.

[الانف: الاستنكاف و الاستكبار.]

ثم امور من امورك لا بد لك من مباشرتها: منها اجابه عمالك بما يعيا عنه كتابك. و منها اصدار حاجات الناس يوم ورودها عليك بما تحرج به صدور اعوانك

[تحرج: تضيق. يقول: ان الاعوان تضيق صدورهم بتعجيل الحاجات، و يحبون المماطله فى قضائها، استجلابا للمنفعه او اظهارا للجبروت.]، و امض لكل يوم عمله فان لكل يوم ما فيه.

و لا تطولن احتجابك عن رعيتك، فان احتجاب الولاه عن الرعيه شعبه من الضيق و قله علم بالامور. و الاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير و يعظم الصغير، و يقبح الحسن و يحسن القبيح، و يشاب الحق بالباطل. و انما الوالى بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الامور، و ليست على الحق سمات

[سمات: علامات.] تعرف بها ضروب الصدق من الكذب، و انما انت احد رجلين: اما امرو سخت نفسه بالبذل فى الحق ففيم احتجابك

[لاى سبب تحتجب عن الناس فى اداء حقهم، او فى عمل تمنحهم اياه؟] من واجب حق تعطيه او فعل كريم تسديه؟ او مبتلى بالمنع فما اسرع كف الناس عن مسالتك اذا ايسوا من بذلك

[يقول: و ان قنط الناس من قضاء مطالبهم منك اسرعوا الى البعد عنك، فلا حاجه للاحتجاب.]، مع ان اكثر حاجات الناس اليك مما لا موونه فيه عليك من شكاه مظلمه او طلب انصاف فى معامله.

ثم ان للوالى خاصه و بطانه فيهم استئثار و تطاول، و قله انصاف فى معامله، فاحسم ماده اولئك بقطع اسباب تلك الاحوال

[احسم: اقطع. يقول: اقطع ماده شرورهم عن الناس بقطع اسباب تعديهم، و انما يكون ذلك بالاخذ على ايديهم و منعهم من التصرف فى شوون العامه.] و لا تقطعن لاحد من حاشيتك و حامتك قطيعه

[الاقطاع: المنحه من الارض. القطيعه: الممنوح منها. الحامه، كالطامه: الخاصه و القرابه. الاعتقاد: الامتلاك. العقده: الضيعه.] و لا يطمعن منك فى اعتقاد عقده تضر بمن يليها من الناس فى شرب او عمل مشترك يحملون موونته على

غيرهم فيكون مهنا ذلك

[المهنا: المنفعه الهنيئه.] لهم دونك، و عيبه عليك فى الدنيا و الاخره.

و الزم الحق من لزمه من القريب و البعيد، و كن فى ذلك صابرا محتسبا، واقعا ذلك من قرابتك و خاصتك حيث وقع، و ابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه، فان مغبه ذلك محموده.

[المغبه: العاقبه، يقول: ان الزام الحق لمن لزمهم، و ان ثقل على الوالى و عليهم، محمود العاقبه يحفظ الدوله.]

و ان ظنت الرعيه بك حيفا فاصحر

[الحيف: الظلم. اصحربهم: ابرزلهم.] لهم بعذرك، و اعدل عنك ظنونهم باصحارك فان فى ذلك رياضه منك لنفسك

[رياضه منك لنفسك: تعويدا لنفسك على العدل.] و رفقا برعيتك و اعذارا

[الاعذار: تقديم العذر او ابداوه.] تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحق.

و لا تدفعن صلحا دعاك اليه عدوك و لله فيه رضا، فان فى الصلح دعه لجنودك و راحه من همومك و امنا لبلادك. و ان عقدت بينك و بين عدوك عقده او البسته منك ذمه فحط عهدك بالوفاء وارع ذمتك بالامانه و اجعل نفسك جنه دون ما اعطيت

[اصل معنى الذمه: وجدان مودع فى جبله الانسان ينبهه لرعايه حق ذوى الحقوق و يدفعه لاداء ما يجب عليه منها، ثم اطلقت على معنى العهد. الجنه: الوقايه. يقول: حافظ بروحك على ما اعطيت من العهد.] و لا تغدرن بذمتك و لا تخيسن بعهدك

و لا تختلن

[خاس بعهده: خانه و نقضه. الختل: الخداع.] عدوك. و لا تعقد عقدا تجوز فيه العلل

[العلل: جمع عله و هى فى النقد و الكلام بمعنى ما يصرفه عن وجهه و يحوله الى غير المراد، و ذلك يطرا على الكلام عند ابهامه و عدم صراحته.] و لا تعولن على لحن قول بعد التاكيد و التوثقه، و لا يدعونك ضيق امر لزمك فيه عهدالله الى طلب انفساخه بغير الحق.

[لحن القول: ما يقبل التوجيه كالتوريه و التعريض. يقول: اذا ريت ثقلا من التزام العهد فلا تركن الى لحن القول لتتملص منه، بل خذ باصرح الوجوه لك و عليك.]

و لا تقوين سلطانك بسفك دم حرام، فان ذلك مما يضعفه و يوهنه بل يزيله و ينقله، و لا عذر لك عندالله و لا عندى فى قتل العمد!

و اياك و المن على رعيتك باحسانك، او التزيد فى ما كان من فعلك

[التزيد: اظهار الزياده فى الاعمال و المبالغه فى وصف الواقع منها فى معرض الافتخار.] او ان تعدهم فتتبع موعدك بخلفك، فان المن يبطل الاحسان، و التزيد يذهب بنور الحق، و الخلف يوجب المقت عندالله و الناس.

و اياك و العجله بالامور قبل اوانها، او التسقط فيها عند امكانها

[التسقط: يريد به هنا: التهاون.] او او الوهن عنها اذا استوضحت. فضع كل امر موضعه، و اوقع كل امر موقعه.

و اياك و الاستئثار بما الناس فيه اسوه

[احذر ان تخص نفسك بشى ء تزيد به عن الناس، و هو مما تجب فيه المساواه من الحقوق العامه.]، و التغابى عما تعنى به مما قد و ضح للعيون، فانه ماخوذ منك لغيرك، و عما قليل تنكشف عنك اغطيه الامور و ينتصف منك للمظلوم. املك حميه انفك

[اى: املك نفسك عند الغضب.] و سوره حدك و سطوه يدك و غرب لسانك

[السوره: الحده: و الحد: الباس. و الغرب: الحد، تشبيها للسان بحد السيف و نحوه.] و احترس من كل ذلك بكف البادره

[البادره: ما يبدر من اللسان عند الغضب، و اطلاق اللسان يزيد الغضب اتقادا، و السكون يطفى ء من لهبه.] و تاخير السطوه حتى يسكن غضبك فتملك الاختيار.

و الواجب عليك ان تتذكر ما مضى لمن تقدمك من حكومه عادله او سنه فاضله، و تجتهد لنفسك فى اتباع ما عهدت اليك فى عهدى هذا، و استوثقت به من الحجه لنفسى عليك، لكى لا تكون لك عله عند تسرع نفسك الى هواها. و انا اسال الله ان يوفقنى و اياك لما فيه رضاه من الاقامه على العذر الواضح اليه و الى خلقه.

[يريد من العذر الواضح: العدل، فانه عذر لك عند من قضيت عليه، و عذر عندالله فى من اجريت عليه عقوبه او حرمته من منفعه.]

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page