• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

طائفه من رسائله و خطبه و عهوده و وصاياه

طائفه من رسائله و خطبه و عهوده و وصاياه


عباده الاحرار
من كلام رائع له فى معنى العباده:

 

ان قوما عبدوا الله رغبه فتلك عباده التجار! و ان قوما عبدوا الله رهبه فتلك عباده العبيد! و ان قوما عبدو الله شكرا فتلك عباده الاحرار!

ايها الناس
من خطبه له فى المدينه:

الاحتكار مطيه النصب، و الحرص داع للتقحم فى الذنوب، و الشره جامع لمساوى ء العيوب.

ايها الناس، لا كنز انفع من العلم، و لا عز ارفع من الحلم، و لا سواه اسوا من الكذب، و لا غائب اقرب من الموت!

ايها الناس، من نظر فى عيب نفسه شغل عن عيب غيره، و من سل سيف البغى قتل به، و من حفر بئرا وفع فيها، و من نسى زلله استعظم زلل غيره، و من اعجب برايه ضل، و من استغنى بعقله زل، و من تكبر على الناس ذل.

فى تقلب الاحوال علم جواهر الرجال، و الايام توضح السرائر الكامنه، و كفاك ادبا لنفسك ما تكرهه من غيرك. و من استقبل وجوه الاراء عرف

مواقع الخطا. و الموده قرابه مستفاده. و عليك لاخيك مثل الذى لك عليه. و لا تنال نعمه الا بزوال اخرى. و لكل ذى رمق قوت، و لكل حبه آكل، و انت قوت الموت.

ايها الناس، اياكم و الخديعه فانها من خلق اللئام. تصفيه العمل اشد من العمل

[تصفيه العمل خالصا لوجه الحق.] و تخليص النيه من الفساد اشد على العاملين من طول الجهاد، هيهات! لولا التقى لكنت ادهى العرب!

عليكم بكلمه الحق فى الرضا و الغضب، و بالقصد فى الغنى و الفقر،

[القصد الاعتدال.] و بالعدل على الصديق و العدو، و بالرضا فى الشده و الرخاء، و من ترك الشهوات كان حرا، و اعجاب المرء بنفسه دليل ضعف عقله. و بئس الزاد الى المعاد: العدوان على العباد!

يا اباذر
من كلام للامام للصحابى العظيم ابى ذر الغفارى لما اخرجه الخليفه الثالث الى 'الربذه' و هو موضع قفر على قرب من المدينه، و بعث من ينادى فى الناس: 'الا لا يكلم احد اباذر و لا يشيعه!' و قد تحاماه الناس الا ابن ابى طالب، و عقيلا اخاه، و الحسن و الحسين و لديه، و عمارا:

يا اباذر، انك غضبت لله فارج من غضبت له. ان القوم خافوك على

دنياهم، و خفتهم على دينك، فاترك فى ايديهم ما خافوك عليه، و اهرب بما خفتهم عليه، فما احوجهم الى ما منعتهم،

[لو قرضت منها جزءا و خصصت به نفسك و رضيت ان تنال منها مثل ما نالوا هم، لا طمانوا اليك.] و ما اغناك عما منعوك! لو ان السموات و الارض كانتا على عبد رتقا ثم اتقى الله لجعل الله له منهما مخرجا! لا يونسنك الا الحق و لا يوحشنك الا الباطل، فلو قبلت دنياهم لاحبوك، و لو قرضت منها لامنوك

كلما اطمان
من كتاب له الى سلمان الفارسى قبل ايام خلافته:

و كن آنس ما تكون بها- الدنيا- احذر ما تكون منها، فان صاحبها كلما اطمان فيها الى سرور اشخصته عنه الى محذور.

السلام عليك يا رسول الله
من كلام روى انه قاله عند دفن السيده فاطمه:

السلام عليك يا رسول الله عنى و عن ابنتك النازله فى جوارك، و السريعه اللحاق بك. قل يا رسول الله عن صفيتك صبرى و رق عنها تجلدى،

الا ان لى فى التاسى بعظيم فرقتك و فادح مصيبتك موضع تعز

[التاسى، هنا: الاعتبار بالمثال المتقدم.]

اما حزنى فسرمد، و اما ليلى فمسهد الى ان يختار الله لى دارك التى انت بها مقيم.

افضل الناس و شرهم
من كلام له لما اجتمع الناس عليه و شكوا مما نقموه على عثمان بن عفان، و سالوه ان يخاطب الخليفه الثالث و يستعتبه لهم. فدخل عليه فقال:

ان الناس ورائى، و قد استسفرونى بينك و بينهم.

[استسفرونى: جعلونى سفيرا و وسيطا.] والله ما ادرى ما اقول لك! ما اعرف شيئا تجهله و لا ادلك على شى ء لا تعرفه. انك لتعلم ما نعلم، ما سبقناك الى شى ء فنخبرك عنه، و لا خلونا بشى ء فنبلغكه، و قد رايت كما راينا و سمعت كما سمعنا... فالله الله فى نفسك فانك والله ما تبصر من عمى، و ان الطرق لواضحه. فاعلم ان افضل عبادالله عندالله امام عادل هدى و هدى. و ان شر الناس عندالله امام جائر ضل و ضل به. و انى سمعت رسول الله "ص" يقول: 'يوتى يوم القيامه بالامام الجائر و ليس معه نصير و لا عاذر، يلقى فى نار جهنم فيدور فيها كما تدور الرحى، ثم يرتبط فى قعرها!' و انى انشدك الله ان لا تكون امام هذه الامه المقتول، فانه كان يقال: يقتل فى هذه الامه امام يفتح عليها القتل و القتال الى يوم القيامه، و يلبس امورها عليها،

و يثبت الفتن فيها، فلا يبصرون الحق من الباطل، يموجون فيها موجا و يمرجون فيها مرجا،

[المرج: الخلط و التلبيس.] فلا تكونن لمروان سيقه

[السيقه: ما استاقه العدو من الدواب. اما مروان، فهو ابن الحكيم الشهير، و كان فى عهد عثمان كاتبا له و مشيرا، و هو صاحب العلل التى نقم الناس من اجلها على الخليفه الثالث.] يسوقك حيث شاء بعد جلال السن و تقصى العمر!

استاثر فاساء الاثره
من كلام له فى معنى قتل عثمان:

لو امرت به لكنت قاتلا، او نهيت عنه لكنت قاصرا.

[يقول انه لم يامر بقتل عثمان و الا كان قاتلا له، مع انه برى ء من قتله. و لم يدافع عنه بسيفه و لم يقاتل دونه و الا كان ناصرا له. اما نهيه عن قتله بلسانه فهو ثابت، و هو الذى امر و لديه الحسن و الحسين ان يدفعا الناس عنه.] غير ان من نصره لا يستطيع ان يقول: خذله من انا خير منه. و من خذله لا يستطيع ان يقول: نصره من هو خير منى!

[اى ان الذين نصروه ليسوا بافضل من الذين خذلوه، لهذا لا يستطيع ناصره ان يقول: انى خير من الذى خذله. و لا يستطيع خاذله ان يقول: ان الناصر خير منى. يريد ان القلوب متفقه على ان ناصريه لم يكونوا فى شى ء من الخير الذى يفضلون به على خاذليه.] و انا جامع لكم امره: استاثر فاساء

الاثره،

[استاثر بالشى ء: استبد به و خص نفسه به. اى: انه استبد فاساء الاستبداد و كان عليه ان يخفف منه فلا يوذيكم.] و جزعتم فاساتم الجزع!

[اى: لم ترفقوا فى جزعكم و لم تقفوا عند الحد الاولى بكم. و كان عليكم ان تقتصروا على الشكوى و لا تذهبوا فى الاساءه الى درجه القتل.] و لله حكم واقع فى المستاثر و الجازع!

[اى: و لله حكمه فى المستاثر و هو عثمان. و فى الجازع و هو انتم.]

انا كاحدكم
من خطبه رائعه له لما اريد على البيعه بعد قتل عثمان:

دعونى و التمسوا غيرى فانا مستقبلون امرا له وجوه و الوان، لا تقوم له القلوب و لا تثبت عليه العقول

[لا تصبر له و لا تطيق احتماله.] و ان الافاق قد اغامت و المحجه قد تنكرت،

[اغامت: غطيت بالغيم. المحجه: الطريق. تنكرت: تغيرت علائمها فصارت مجهوله، و ذلك ان الاطماع كانت قد تنبهت فى كثير من الناس على عهد الخليفه الثالث بما نالوا من تفضيلهم بالعطاء، فلا يسهل عليهم فيما بعد ان يكونوا فى مساواه مع غيرهم، فلو تناولهم العدل انفلتوا منه و طلبوا الفتنه طمعا فى نيل رغباتهم، و اولئك هم اغلب الروساء و الوجهاء فى القوم، فان اقرهم الامام على ما كانوا عليه من الامتياز فقد اتى ظلما، و هو عدو الظلم. و الناقمون على عثمان قائمون على المطالبه بالعدل: ان لم ينالوه تحرشوا للفتنه! فاين الطريق للوصول الى الحق على امن من الفتن؟! و قد كان بعد بيعته ما توقع حدوثه قبلها.] و اعلموا ان اجبتكم ركبت بكم ما اعلم، و لم اصغ الى

قول القائل و عتب العاتب. و ان تركتمونى فانا كاحد كم و لعلى اسمعكم و اطوعكم لمن و ليتموه امركم، و انا لكم وزيرا خير لكم منى اميرا!

الحق لا يبطله شى ء
من خطبه رائعه له خطب بها الناس ثانى يوم من بيعته بالمدينه، و هى فى ما رده على الناس من قطائع

[ما اعاد للناس من الاراضى.] الخليفه الثالث، و فى المال الذى كان عثمان قد اعطاه من مال العامه:

ايها الناس، انما انا رجل منكم، لى ما لكم و على ما عليكم. الا ان كل قطيعه اقطعها عثمان، و كل مال اعطاه من مال الله، فهو مردود فى بيت المال فان الحق القديم لا يبطله شى ء، و لو وجدته قد تزوج به النساء و ملك الاماء و فرق فى البلدان لرددته. فان فى العدل سعه، و من ضاق عليه العدل فالجور عليه اضيق

[من عجز عن تدبير امره بالعدل فهو بالجور اشد عجزا.]

ايها الناس، الا يقولن رجال منكم غدا قد غمرتهم الدنيا فامتلكوا العقار و فجروا الانهار و ركبوا الخيل و اتخذوا الوصائف المرققه، اذا ما منعتهم ما كانو يخوضون فيه و اصرتهم الى حقوقهم التى يعلمون: حرمنا ابن ابى طالب حقوقنا! الا و ايما رجل من المهاجرين و الانصار من اصحاب رسول الله يرى ان الفضل له على سواه بصحبته، فان الفضل غدا عند الله. فانتم عبادالله، و المال مال الله، يقسم بينكم بالسويه و لا فضل فيه لاحد على احد!

اسفلكم اعلاكم
من كلام له لما بويع بالمدينه:

الا و ان بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيكم صلى الله عليه و سلم.

[ان بليه العرب التى كانت محيطه بهم يوم بعث محمد هى بليه الفرقه و التباعد و العصبيه و ظلم القوى للضعيف و الغنى للفقير. فتلك الحاله التى هى مهلكه للامم قد صاروا اليها بعد مقتل عثمان.] و الذى بعثه بالحق لتغربلن غربله و لتساطن سوط القدر

[لتغربلن: لتقطعن من. ساط، من السوط، و هو ان تجعل شيئين فى القدر و تضربهما بيدك حتى يختلطا و ينقلب اعلاهما اسفلهما و اسفلهما اعلاهما.] حتى يعود اسفلكم اعلاكم و اعلاكم اسفلكم، و ليسبقن سابقون كانوا قد قصروا، و ليقصرن سباقون كانوا قد سبقوا. والله ما كتمت و شمه

[الوشمه: الكلمه.] و لا كذبت كذبه! الا و ان الخطايا خيل شمس

[شمس، جمع شموس، و هو الجامح الذى يمنع ظهره ان يركب.] حمل عليها اهلها و خلعت لجمها فتقحمت بهم فى النار! الا و ان التقوى مطايا ذلل حمل عليها اهلها و اعطوا ازمتها فاوردتهم الجنه. حق و باطل، و لكل اهل!

هلك من ادعى و خاب من افترى و من ابدى صفحته للحق هلك.

[من ابدى صفحته للحق، اى: من كاشف الحق مخاصما له مصارحا له بالعداوه.] و كفى بالمرء جهلا ان لا يعرف قدره. فاستتروا فى بيوتكم و اصلحوا ذات بينكم، و التوبه من ورائكم و لا يحمد حامد الا ربه، و لا يلم لائم الا نفسه!

عفا الله عما سلف
من خطبه له خطبها بعد مقتل عثمان فى اول خلافته:

ايها الناس، ان الدنيا تغر المومل لها و المخلد اليها،

[المخلد اليها: الراكن اليها.] و لا تنفس

[تنفس، مضارع نفس: تضن. و معنى العباره: ان الدنيا لا تضن بمن يبارى غيره فى اقتنائها وعدها من نفائسه، و لا تحرص عليه بل تهلكه.] بمن نافس فيها، و تغلب من غلب عليها. و ايم الله، ما كان قوم قط فى غض نعمه من عيش فزال عنهم الا بذنوب اجترحوها، لان الله ليس 'بظلام للعبيد'. و لو ان الناس حين تنزل بهم النقم و تزول عنهم النعم، فزعوا الى ربهم بصدق من نياتهم و وله من قلوبهم، لرد عليهم كل شارد و اصلح لهم كل فاسد. و انى لاخشى عليكم ان تكونوا فى فتره.

[الفتره، هنا، كنايه عن الجهل و الغرور.] و قد كانت امور مضت ملتم فيها ميله، كنتم فيها عندى غير محمودين، و لئن رد عليكم امركم انكم لسعداء. و ما على الا الجهد، و لو اشاء ان اقول لقلت: عفا الله عما سلف!

الرشوه
من كتاب له الى امراء الاجناد لما استخلف:

اما بعد، فانما اهلك من كان قبلكم انهم منعوا الناس الحق

فاشتروه

[اى: حجبوا عن الناس حقهم فاضطر الناس لشراء الحق منم بالرشوه...] و اخذوهم بالباطل فاقتدوه.

[اى كلفوهم باتيان الباطل فاتوه، و صار الباطل قدوه يتبعها الابناء بعد الاباء.]

ان لم تستقيموا
من كتاب له الى امرائه على الثغور:

اما بعد، فان حقا على الوالى ان لا يغيره على رعيته فضل ناله و لا طول خص به

[الطول: عظيم الفضل. اى: من الواجب على الوالى اذا خص بفضل ان يزيده ذلك قربا من الناس اخوانه و عطفا عليهم، و ليس من حقه ان يتغير.] و ان يزيده ما قسم الله له من نعمه دنوا من عباده و عطفا على اخوانه.

الا و ان لكم عندى ان لا اوخر لكم حقا عن محله، و ان تكونوا عندى فى الحق سواء. فاذا فعلت ذلك و جبت لله عليكم النعمه ولى عليكم الطاعه، و ان لا تنكصوا عن دعوه

[اى: ان لا تتاخروا اذا دعوتكم.] و لا تفرطوا فى صلاح، و ان تخوضوا الغمرات الى الحق،

[الغمرات: الشدائد.] فان انتم لم تستقيموا على ذلك لم يكن احد اهون على ممن اعوج منكم، ثم اعظم له العقوبه و لا يجد عندى فيها رخصه!

انصفوا الناس
من كتاب له الى عماله على الخراج:

انصفوا الناس من انفسكم، و اصبروا لحوائجهم فانكم خزان الرعيه

[المقصود هو ان الولاه يجب ان يخزنوا اموال الرعيه فى بيت المال لتنفق فى مصالح الرعيه و حاجاتها.] و وكلاء الامه. و لا تبيعن للناس فى الخراج كسوه شتاء و لا صيف و لا دابه يعتملون عليها.

[يقول: لا تضطروا الناس لان يبيعوا لاجل اداء الخراج شيئا من كسوتهم، و لا من الدواب اللازمه لاعمالهم فى الزرع و الحمل.] و لا تضربن احدا سوطا لمكان درهم، و لا تمسن مال احد من الناس مصل و لا معاهد.

[المعاهد: غير المسلم من اهل الكتاب. يقول: لا تلجاوا الى السوط تحصيلا للمال. و لا تمسوا مال احد من المسلمين او اهل الكتاب بالمصادره.]

ااطلب النصر بالجور
من كلام له لما عوتب على التسويه فى العطاء:

اتامرونى ان اطلب النصر بالجور فى من وليت عليه؟ والله ما اطور به ما سمر سمير و ما ام نجم فى السماء نجما.

[ما اطور به: ما آمر به و لا اقاربه. و ما سمر سمير، اى: مدى الدهر.] لو كان المال لى لسويت

بينهم، فكيف و انما المال مال الله! الا و ان اعطاء المال فى غير حقه تبذير و اسراف.

الناس متساوون فى الحق
من كلام له كلم به طلحه و الزبير بعد بيعته بالخلافه و قد عتبا من ترك مشورتهما، و الاستعانه فى الامور بهما:

لقد نقمتما يسيرا و ارجاتما كثيرا.

[اى غضبتما ليسير، و اخرتما مما يرضيكما كثيرا لم تنظرا اليه.] الا تخبرانى اى شى ء لكما فيه حق دفعتكما عنه؟ و اى قسم استاثرت عليكما به؟ ام اى حق رفعه الى احد من المسلمين ضعفت عنه ام جهلته ام اخطات بابه؟!

والله ما كانت لى فى الخلافه رغبه و لا فى الولايه اربه.

[الاربه: الغرض، و الطلبه.] ولكنكم دعوتمونى اليها، فلما افضت الى نظرت الى كتاب الله، فلم احتج فى فى ذلك الى رايكما و لا راى غيركما، و لا وقع حكم جهلته فاستشير كما و اخوانى المسلمين، و لو كان ذلك لم ارغب عنكما و لا عن غيركما.

اما ما ذكرتما من امر الاسوه،

[الاسوه، هنا: التسويه بين الناس فى قسمه الاموال، و كان ذلك قد اغضب طلحه و الزبير على ما روى.] فان ذلك امر لم احكم انا فيه برايى و لا وليته هوى منى، بل وجدت انا و انتما ما جاء به رسول الله "ص" قد فرغ منه فلم احتج اليكما فى ما قد فرغ الله من قسمه. اخذ الله بقلوبنا

و قلوبكم الى الحق، و الهمنا و اياكم الصبر. و رحم الله امرا راى حقا فاعان عليه، او راى جورا فرده، و كان عونا بالحق على صاحبه!

الى اصحاب الجمل
من كتاب له بعث به الى طلحه و الزبير و عائشه قبل موقعه الجمل:

من عبدالله على اميرالمومنين الى طلحه و الزبير و عائشه، سلام عليكم.

اما بعد، يا طلحه و الزبير، فقد علمتما انى لم ارد البيعه حتى اكرهت عليها، و انتما ممن رضى بيعتى. فان كنتما بايعتما طائعين فتوبا الى الله و ارجعا عما انتما عليه. و ان كنتما بايعتما مكرهين فقد جعلتما لى السبيل عليكما، باظهاركما الطاعه و كتمانكما المعصيه.

و انت يا طلحه، شيخ المهاجرين، و انت يا زبير، فارس قريش، دفعكما هذا الامر قبل ان تدخلا فيه كان اوسع لكما من خروجكما منه قبل اقراركما.

و انت يا عائشه، فانك خرجت من بيتك عاصيه لله و لرسوله تطلبين امرا كان عنك موضوعا، و تزعمين انك تريدين الاصلاح بين الناس! فخبرينى ما للنساء وقود الجيوش، و البروز للرجال! و طلبت، على زعمك، دم عثمان، و عثمان من بنى اميه و انت من تيم. ثم انت بالامس تقولين فى ملاء من اصحاب رسول الله: 'اقتلوا نعثلا، قتله الله، فقد كفر!' ثم تطالبين اليوم بدمه! فاتقى الله و ارجعى الى بيتك، و اسبلى عليك سترك و السلام.

اخرج من جحرك
من كتاب له الى ابى موسى الاشعرى، و هو عامله على الكوفه، و قد بلغه عنه تثبيطه الناس على الخروج اليه لما ندبهم لحرب اصحاب الجمل:

من عبدالله على اميرالمومنين الى عبدالله بن قيس.

اما بعد، فقد بلغنى عنك قول هو لك و عليك. فاذا قدم رسولى عليك فارفع ذيلك و اشدد مئزرك و اخرج من جحرك و اندب من معك.

[رفع الذيل و شد المئزر: كنايه عن التشمير للجهاد. الجحر، هنا: كنايه عن المقر. اندب: ادع.]

اعقل عقلك

[قيده بالعزيمه و لا تدعه يذهب مذاهب التردد.] و املك امرك و خذ نصيبك و حظك. فان كرهت فتنح الى غير رحب و لا فى نجاه!

والله انه لحق مع محق، و ما ابالى ما صنع الملحدون!

قيام الحجه
من كلام له كلم به بعض العرب- و اسمه كليب الجرمى- و قد ارسله قوم من اهل البصره ليعلم لهم من الامام حقيقه حاله مع

اصحاب الجمل لتزول الشبهه من نفوسهم. فبين له الامام من امره معهم ما علم به انه على الحق، ثم قال له: بايع! فقال الرجل: انى رسول قوم لولا احدث حدثا حتى ارجع اليهم. فقال الامام هذا القول الرائع:

ارايت لو ان الذين وراءك بعثوك رائدا تبتغى لهم مساقط الغيث

[مساقط الغيث: المواضع التى يسقط فيها المطر فتخضر و تزدهر.] فرجعت اليهم و اخبرتهم عن الكلاء و الماء فخالفوا الى المعاطش و المجادب،

[المعاطش، جمع معطش، و هو: مكان العطش، اى الذى لا ماء فيه. و المجادب، جمع مجدب، و هو مكان الجدب، اى القحط و المحل.] ما كنت صانعا؟

قال الرجل: كنت تاركهم و مخالفهم الى الكلاء و الماء. فقال الامام: فامدد اذا يدك!

فقال الرجل: فوالله ما استطعت ان امتنع عند قيام الحجه على، فبايعته عليه السلام!

و قيل للامام ذات مره: باى شى ء غلبت الاقران؟ فاجاب:

ما لقيت رجلا الا اعاننى على نفسه!

اراد ان يغالط
من كلامه الزاخر بالمنطق فى طلحه و موقفه من قضيه عثمان، قبل مقتله و بعده:

قد كنت و ما اهدد بالحرب لولا ارهب بالضرب. والله ما استعجل

متجردا

[كانه سيف تجرد من غمده.] للطلب بدم عثمان الا خوفا من ان يطالب بدمه لانه مظنته، و لم يكن فى القوم احرص عليه منه

[احرص عليه، اى على دم عثمان، بمعنى سفكه.] فاراد ان يغالط بما اجلب ليلبس الامر

[يلبس الامر: يجعله ملبسا، اى: مشتبها.] و يقع الشك! و والله ما صنع فى امر عثمان واحده من ثلاث:

لئن كان ابن عفان ظالما، كما كان يزعم، لقد كان ينبغى له ان يوازر قاتليه او ان ينابذ ناصريه. و لئن كان مظلوما لقد كان ينبغى له ان يكون من المنهنهين عنه

[نهنهه عن الامر: كفه و زجره عن اتيانه.] و المعذرين فيه.

[المعذرين فيه: المعتذرين عنه فى ما نقم منه.] و لئن كان فى شك من الخصلتين لقد كان ينبغى له ان يعتزله و يركد جانبا

[يسكن فى جانب عن القاتلين و الناصرين.] و يدع الناس معه. فما فعل واحده من الثلاث، و جاء بامر لم يعرف بابه و لم تسلم معاذيره!

و انى لصاحبهم
قال عبدالله بن العباس: دخلت على اميرالمومنين (عليه السلام) بذى قار

[بلد بين واسط و الكوفه، و هو قريب من البصره.] و هو يخصف نعله

[يخرزها.] فقال لى: ما قيمه هذه النعل؟ فقلت: لا قيمه لها. فقال عليه السلام: والله

لهى احب الى من امرتكم الا ان اقيم حقا او ادفع باطلا. ثم خرج فخطب الناس فقال "و ذلك عند خروجه لقتال اهل البصره فى وقعه الجمل":

ما ضعفت لولا جبنت، و ان مسيرى هذا لمثلها،

[ضمير 'لمثلها' يعود الى المعارك التى خاضها الامام ضد قريش فى حروب الاسلام ضد المشركين، و قد اشار اليها فى كلام سابق لهذا الكلام. و المعنى: انه يسير اليوم الجهاد فى سبيل الحق كما سار قديما.] فلانقبن الباطل حتى يخرج الحق من جنبه.

[الباطل يبادر البصيره فيشغلها عن الحق و يقوم حجابا مانعا لها عنه، فكانه شى ء اشتمل على الحق فستره. والكلام تمثيل رائع لحال الباطل مع الحق، و حال الامام فى كشف الباطل و اظهار الحق.] ما لى و لقريش! والله لقد قاتلتهم كافرين و لاقاتلنهم مفتونين، و انى لصاحبهم بالامس كما انا صاحبهم اليوم!

الام اجيب
من كلام له فى اصاب الجمل:

الا و ان الشيطان قد ذمر حزبه و استجلب جلبه

[ذمر: حث. الجلب: ما يجلب من بلد الى بلد.] ليعود الجور

الى اوطانه و يرجع الباطل الى نصابه!

[النصاب: الاصل، او المنبت و اول كل شى ء. و فى كلامه هذا اشاره صريحه الى رغبه من يعنيهم فى اعاده الاثره و الظلم و اقتناص المغانم الى اداره الدوله كما كانت فى عهد بطانه الخليفه الثالث، لولا يتاتى لهم ذلك الا بتاليب الناس على الخليفه الجديد، و هو الامام، الذى لا يطمعون فى ايامه بان يعود اليهم ما الفوه فى السابق من حريه التصرف باموال الدوله و احوال الناس.] والله ما انكروا على منكرا لولا جعلوا بينى و بينهم نصفا.

[النصف: العدل. اى: لم يحكموا العدل بينى و بينهم.] و انهم ليطلبون حقا هم تركوه و دما هم سفكوه. فان كنت شريكهم فيه فان لهم لنصيبهم فيه، و لئن كانوا ولوه دونى فما التبعه الا عندهم، و ان اعظم حجتهم لعلى انفسهم!

يا خيبه الداعى! من دعا؟ و الام اجيب؟

[من: استفهاميه. و ما "فى الام" استفهاميه ايضا و قد حذفت منها الالف لدخول 'الى' عليها. و يقصد بالداعى احد قاده خصومه فى موقعه الجمل اذ دعا الامام الى ان يبرز للطعان و كانه يهدده بالحرب و نتائجها. و قوله 'من دعا؟' استفهام عن الداعى و دعوته، استهانه بهما.] و انى لراض بحجه الله عليهم و علمه فيهم، فان ابوا اعطيتهم حد السيف و كفى به شافيا من الباطل و ناصرا للحق! و من العجب بعثهم الى ان ابرز للطعان و ان اصبر للجلاد! هبلتهم الهبول

[هبلتهم: ثكلتهم. و الهبول: المراه التى لا يبقى لها ولد. و هو دعاء عليهم بالهلاك لعدم معرفتهم باقدار انفسهم.. ابا لحرب يهدد ابن ابى طالب؟!.] لقد كنت و ما اهدد بالحرب لولا ارهب بالضرب، و انى على يقين من ربى و غير شبهه من دينى.

فى لجه بحر
من كلام له فى ذم اهل البصره بعد موقعه الجمل:

كنتم جند المراه و اتباع البهيمه:

[يريد الجمل.] رغا فاجبتم، و عقر فهربتم. اخلاقكم دقاق و عهدكم شقاق و دينكم نفاق و ماوكم زعاق،

[دقه الاخلاق: دناءتها. زعاق: مالح.] و المقيم بين اظهركم مرتهن بذنبه، و الشاخص عنكم متدارك برحمه من ربه. و ايم الله لتغرقن بلدتكم حتى كانى انظر الى مسجدها كجوجو طير فى لجه بحر.

[الجوجو: الصدر.]

قتلوهم صبرا و غدرا
من خطبه له فى ذكر اصحاب الجمل:

فخرجوا يجرون حرمه رسول الله

[حرمه رسول الله كنايه عن زوجته، و اراد بها السيده عائشه.] صلى الله عليه و آله، متوجهين بها الى البصره: فحبسوا نساءهم فى بيوتهم و ابرزوا حبيس رسول الله "ص" لهم و لغيرهم فى جيش ما منهم رجل الا و قد اعطانى الطاعه و سمح لى بالبيعه طائعا غير مكره، فقدموا على عاملى بها و خزان بيت مال المسلمين و غيرهم من اهلها: فقتلوا طائفه صبرا

[القتل صبرا: ان تحبس الشخص ثم ترميه حتى يموت.] و طائفه غدرا! فوالله لو لم يصيبوا من

المسلمين الا رجلا واحدا معتمدين لقتله بلا جرم جره، لحل لى قتل ذلك الجيش كله!

الذين قاتلونى
من كلام له فى معنى وقعه الجمل:

بليت فى حرب الجمل باشد الخلق شجاعه، و اكثر الخلق ثروه و بذلا، و اعظم الخلق فى الخلق طاعه، و او فى الخلق كيدا و تكثرا: بليت بالزبير لم يرد وجهه قط. و بيعلى بن منيه يحمل المال على الابل الكثيره و يعطى كل رجل ثلاثين دينارا و فرسا على ان يقاتلنى. و بعائشه ما قالت قط بيدها هكذا الا و اتبعها الناس. و بطلحه لا يدرك غوره لولا يطال مكره!

بكم ذوو كلام
من خطبه له فى تقريع اصحابه بالكوفه:

و لئن امهل الظالم فلن يفوت اخذه و هو له بالمرصاد على مجاز طريقه. اما والذى نفسى بيده ليظهرن هولاء القوم عليكم، ليس لانهم اولى بالحق منكم، ولكن لاسراعهم الى باطل صاحبهم و ابطائكم عن حقى. و لقد اصبحت الامم تخاف ظلم رعاتها، و اصبحت اخاف ظلم رعيتى: استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا، و اسمعتكم فلم تسمعوا، و دعوتكم سرا و جهرا فلم تستجيبوا، و نصحت لكم فلم تقبلوا. اشهود كغياب

[شهود، جمع شاهد و هو الحاضر.]

و عبيد كارباب؟! اتلو عليكم الحكم فتنفرون منها، و اعظكم بالموعظه فتتفرقون عنها، و احثكم على جهاد اهل البغى فما آتى على آخر القول حتى اراكم متفرقين ايادى سبا ترجعون الى مجالسكم و تتخادعون عن مواعظكم.

ايها الشاهده ابدانهم الغائبه عقولهم المختلفه اهواوهم المبتلى بهم امراوهم، صاحبكم يطيع الله و انتم تعصونه، و صاحب اهل الشام يعصى الله و هم يطيعونه! لوددت والله ان معاويه صارفنى بكم صرف الدينار بالدرهم، فاخذ منى عشره منكم و اعطانى رجلا منهم.

يا اهل الكوفه، منيت منكم بثلاث و اثنتين: صم ذوو اسماع، و بكم ذوو كلام، و عمى ذوو ابصار، لا احرار صدق عند اللقاء لولا لولا اخوان نقه عند البلاء!

لا تنتقم من عدو
من كتاب له الى عبدالله بن عباس عامله على البصره، و كان عباس قد اشتد على بنى تميم لانهم كانوا مع طلحه و الزبير يوم الجمل، فاقصى كثيرا منهم، فعظم ذلك على الامام على الذى يابى قلبه الكبير الانتقام، فكتب الى عباس يردعه و يونبه و يقرر حقيقه نتجاهلها اليوم.. و هى ان راس الدوله مسوول هو ايضا عن اعمال موظفيه الذين لولا هم امور الناس.. قال:

حادث اهلها بالاحسان اليهم و احلل عقده الخوف عن قلوبهم!

و قد بلغنى تنمرك لبنى تميم

[تنمرك: تنكر اخلاقك.] و غلظتك عليهم، فاربع

[اربع: ارفق وقف عند حد ما تعرف. يريد الامام امره بالتثبت فى جميع ما يعتمده فعلا و قولا من خير و شر و الا يعجل به لانه شريكه به، فانه عامله و نائب عنه.] اباالعباس، رحمك الله، فى ما جرى على لسانك و يدك من خير و شر، فانا شريكان فى ذلك، و كن عند صالح ظنى بك، لولا يفيلن

[فال رايه: ضعف.] رايى فيك!

النساء
من خطبه له بعد حرب الجمل فى ذم النساء:

فاتقوا شرار النساء و كونوا من خيارهن على حذر. لولا تطيعوهن فى المعروف حتى لا يطمعن فى المنكر!

ارباب سوء
من خطبه له فى التحذير من بنى اميه:

الا ان اخوف الفتن عندى عليكم فتنه بنى اميه، فانها فتنه عمياء مظلمه. و ايم الله لتجدن بنى اميه لكم ارباب سوء بعدى كالناب

الضروس:

[الناب: الناقه المسنه. الضروس: السيئه الخلق تعض حالبها.] تعذم بغيها و تخبط بيدها و تزبن برجلها

[تعذم: تاكل بخفاء و تعض. تزبن: تضرب.] و تمنع درها، لا يزالون بكم حتى لا يتركوا منكم الا نافعا لهم. لولا يزال بلاوهم حتى لا يكون انتصار احدكم منهم الا كانتصار العبد من ربه و الصاحب من مستصحبه ترد عليكم فتنتهم شوهاء مخشيه

[شوهاء: قبيحه المنظر. مخشيه: مرعبه.] و قطعا جاهليه!

لا مدر لولا وبر
من كلام له فى بنى اميه:

والله لا يزالون حتى لا يدعوا لله محرما الا استحلوه، لولا عقدا الا حلوه، و حتى لا يبقى بيت مدر لولا وبر الا دخله ظلمهم

[بيوت المدر: المبنيه من طين. و بيوت الوبر: الخيام.] و حتى يقوم الباكيان يبكيان: باك يبكى لدينه و باك يبكى لدنياه، و حتى تكون نصره احدكم من احدهم كنصره العبد من سيده، اذا شهد اطاعه، و اذا غاب اغتابه!

رحب البلعوم
من كلام له لاصحابه:

اما انه سيظهر عليكم بعدى رجل رحب البلعوم مندحق البطن

[مندحق البطن: عظيم البطن بارزه كانه لعظمه مندلق من بدنه يكاد يبين عنه. و الواضح ان المقصود بهذا الكلام هو معاويه.] ياكل ما يجد و يطلب ما لا يجد! الا و انه سيامركم بسبى و البراءه منى. اما السب فسبونى، فانه لى زكاه و لكم نجاه. و اما البراءه فلا تتبراوا منى، فانى ولدت على الفطره و سبقت الى الايمان و الهجره!

نهم الاثرياء
من كتاب له الى معاويه، و فيه نظره الامام الصائبه الى اصحاب الثراء الذين لا يزيدهم المال الا نهما و حرصا على الاستزاده منه:

اما بعد، فان الدنيا مشغله عن غيرها، و لم يصب صاحبها منها شيئا الا فتحت له حرصا عليها و لهجا بها.

[لهجا: و لوعا و شده حرص.] و لن يستغنى صاحبها بما نال فيها عما لم يبلغه منها. و من وراء ذلك فراق ما جمع و نقض ما ابرم. و لو اعتبرت بما مضى حفظت ما بقى، و السلام.

مع الحق
كتب معاويه الى الامام على يطلب اليه ان يترك له الشام، فكتب اليه الامام جوابا جاء فيه:

فاما طلبك الى الشام، فانى لم اكن لاعطيك اليوم ما منعتك امس. و اما قولك 'ان الحرب قد اكللت العرب الا حشاشات انفس بقيت' الا و من اكله الحق فالى الجنه، و من اكله الباطل فالى النار. و اما استواونا فى الحرب و الرجال فلست بامضى على الشك منى على اليقين!

ناقل التمر من هجر
من كتاب له الى معاويه ايضا جوابا:

اما بعد، فقد اتانى كتابك تذكر فيه اصطفاء الله محمدا صلى الله عليه لدينه، و تاييده اياه بمن ايده من اصحابه، فلقد خبا لنا الدهر منك عجبا اذ طفقت تخبرنا ببلاء الله عندنا و نعمته علينا فى نبينا، فكنت فى ذلك كناقل التمر الى هجر او داعى مسدده الى النضال.

[هجر: مدينه فى البحرين كثيره النخيل. المسدد: معلم رمى السهام. النضال: المراماه. يقول: كنت فى ذلك كمن ينقل التمر الى مصدره و يدعو معلمه فى الرمى الى المناضله، و هما مثلان لناقل الشى ء الى معدنه و المتعالم على معلمه.]

ثم ذكرت ما كان من امرى و امر عثمان، فلك ان تجاب عن هذه لرحمك منه

[اى لقرابتك منه يصح الجدال معك فى امره.] فاينا كان اعدى له و اهدى الى مقاتله:

[اعدى: اشد عدوانا. المقاتل: وجوه القتل.] امن بذل له نصرته فاستقعده و استكفه؟

[استقعده و استكفه: طلب اليه ان يقعد عن نصرته و ان يكف عن مساعدته. و الذى بذل النصره هو الامام. و الذى استقعد الامام و استكفه هو عثمان.] ام من استنصره فتراخى عنه و بث المنون اليه

[المعنى هو ان عثمان استنصر بعشيرته من بنى اميه كمعاويه، فخذلوه و خلوا بينه و بين الموت فكانهم افضوا بالموت اليه.] حتى اتى قدره عليه؟

و ما كنت لاعتذر من انى كنت انقم عليه احداثا،

[نقم عليه: عاب عليه. الاحداث: جمع حدث، و هو هنا البدعه.] فان كان الذنب اليه ارشادى و هدايتى له، فرب ملوم لا ذنب له.

اتق الله
من كتاب له الى معاويه ايضا:

فاتق الله فى ما لديك، و انظر فى حقه عليك، و ارجع الى معرفه ما لا تعذر بجهالته. و ان نفسك قد اولجتك شرا و اقحمتك غيا

[اولجتك: ادخلتك. اقحمتك غيا: رمت بك فى الضلال.] و اوردتك المهالك و اوعرت عليك المسالك.

ارديت جيلا من الناس
من كتاب له الى معاويه ايضا:

و ارديت جيلا من الناس كثيرا: خدعتهم بغيك و القيتهم فى موج بحرك تغشاهم الظلمات و تتلاطم بهم الشبهات، فجازوا عن وجهتهم

[جازوا عن وجهتهم: بعدوا عن جهه قصدهم، اى كانوا يقصدون حقا فمالوا الى باطل.] و نكصوا على اعقابهم

[نكصوا: رجعوا.] و تولوا على ادبارهم و عولوا على احسابهم الا من فاء من اهل البصائر.

[عولوا: اعتمدوا. اى: اعتمدوا على شرف قبائلهم فتعصبوا تعصب الجاهليه و نبذوا نصره الحق. فاء: رجع "الى الحق".]

خدعه الصبى
و من كتاب له الى معاويه جوابا:

و ذكرت انى قتلت طلحه و الزبير و شردت بعائشه و نزلت المصرين

[شرد به: طرده و فرق امره. المصران: الكوفه و البصره.] و ذلك امر غبت عنه فلا عليك، لولا العذر فيه اليك.

و قد اكثرت فى قتله عثمان فادخل فى ما دخل فيه الناس

[ما دخل فيه الناس هو: البيعه.] ثم حاكم

القوم الى احملك و اياهم على كتاب الله تعالى. و اما تلك التى تريد

[تلك التى تريد: و لايه الشام. و كان الامام يابى ان يبقى معاويه فى هذه الولايه.] فانها خدعه الصبى عن اللبن.

[خدعه يصرف بها الصبى اول فطامه عن اللبن. و المقصود هنا: ما تصرف به عدوك عن قصدك به فى الحروب و ما اليها من احوال الخصومه.]

سبحان الله يا معاويه
من كتاب له الى معاويه ايضا:

فسبحان الله! ما اشد لزومك للاهواء المبتدعه، مع تضييع الحقائق. فاما اكثارك الحجاج فى عثمان و قتلته،

[الحجاج: الجدال.] فانك انما نصرت عثمان حيث كان النصر لك، و خذلته حيث كان النصر له

[نصرت عثمان بعد مقتله.. حيث كان فى الانتصار له فائده لك تتخذه ذريعه لجمع الناس الى اغراضك. اما و هو حى، و كان انتصارك له يفيده، فقد خذلته و ابطات عنه.] والسلام؟

يغدر و يفجر
من كلام له فى مسلكه و مسلك معاويه:

والله ما معاويه بادهى منى، ولكنه يغدر و يفجر. و للولا كراهيه الغدر لكنت من ادهى الناس!

ثمن البيعه
من خطبه له:

و لم يبايع حتى شرط ان يوتيه على البيعه ثمنا!

[ضمير 'يبايع' يعود الى عمرو بن العاص، فانه شرط على معاويه ان يوليه مصر لو تم له الامر. و هذا ما كان بعد ذلك.] فلا ظفرت يد البائع، و خزيت امانه المبتاع. فخذوا للحرب اهبتها و اعدوا لها عدتها!

اكله الرشا
و قد ورد مثل المعنى السابق ايضا فى كتاب بعث به الامام الى جماعه من اصحابه. قال:

انما تقاتلون اكله الرشا و عبيد الدنيا و البدع و الاحداث. لقد نمى الى ان ابن الباغيه

[المقصود هو عمرو بن العاص.] لم يبايع معاويه حتى شرط عليه ان ياتيه اتاوه هى اعظم مما فى يديه من سلطان ، فصفرت يد هذا البائع دينه بالدنيا، و تربت يد هذا المشترى نصره غادر فاسق باموال الناس!

اذهبت دنياك و آخرتك
من كتاب له الى عمرو بن العاص يوم لحق بمعاويه:

فانك قد جعلت دينك تبعا لدنيا امرى ء ظاهر غيه مهتوك ستره يشين الكريم بمجلسه و يسفه الحليم بخلطته، فاتبعت اثره و طلبت فضله اتباع الكلب للضرغام:

[الضر غام: الاسد.] يلوذ الى مخالبه و ينتظر ما يلقى اليه من فضل فريسته، فاذهبت دنياك و آخرتك! و لو بالحق اخذت ادركت ما طلبت. فان يمكنى منك و من ابى سفيان اجزكما بما قد متما.

لاشدن عليك
من كتاب له الى زياد بن ابيه و هو على البصره:

و انى اقسم بالله قسما صادقا لئن بلغنى انك خنت من فى ء المسلمين شيئا صغيرا او كبيرا

[الفى ء: المال من غنيمه او خراج.] لاشدن عليك شده تدعك قليل الوفر

[لاشدن عليك شده: لاحملن عليك حمله. الوفر المال.] ثقيل الظهر ضئيل الامر، والسلام.

متمرغ فى النعيم
و من كتاب له الى زياد بن ابيه ايضا:

اترجو ان يعطيك الله اجر المتواضعين و انت عنده من المتكبرين؟ و تطمع، و انت متمرغ فى النعيم تمنعه الضعيف و الارمله، ان يوجب لك ثواب المتصدقين؟ و انما المرء مجزى بما اسلف

[اسلف: قدم فى سالف ايامه.] و قادم على ما قدم.

احذر معاويه
من كتاب له الى زياد بن ابيه ايضا و قد بلغه ان معاويه كتب اليه يريد خديعته باستلحاقه:

و قد عرفت ان معاويه كتب اليك يستزل لبك و يستفل غربك

[يستزل: يطلب به الزلل، و هو الخطا. الغرب: الحده و النشاط. يستفل غربك: يطلب ثلم حدتك.] فاحذره، فانما هو الشيطان ياتى المومن من بين يديه و من خلفه، و عن يمينه و عن شماله، ليقتحم عليه غفلته و يستلب غرته.

[يقتحم غفلته: يدخل غفلته بغته فياخذه فيها. و تشبيه الغفله بالبيت يسكن فيه الغافل، من روائع التشببه. الغره: خلو العقل من ضروب الحيل، و المراد منها العقل الغر و الساذج.]

الناس عندنا اسوه
من كتاب له الى سهل بن حنيف الانصارى، و هو عامله على المدينه، فى معنى قوم من اهلها لحقوا بمعاويه:

اما بعد، فقد بلغنى ان رجالا ممن قبلك

[قبلك: عندك.] يتسللون الى معاويه، فلا تاسف على ما يفوتك من عددهم و يذهب عنك من مددهم، فكفى لهم غيا و لك منهم شافيا.

[يتسللون: يذهبون واحدا بعد واحد. غيا: ضلالا. يقول: فرارهم كاف فى الدلاله على ضلالهم. و الضلال داء شديد فى بنيه الجماعه، و قد كان فرار هولاء الضالين شفاء للجماعه من هذا الداء.] و قد عرفوا العدل و راوه و سمعوه و وعوه، و علموا ان الناس عندنا اسوه فهربوا الى الاثره

[الاثره: اختصاص النفس بالمنفعه و تفضيلها على غيرها بالفائده.] فبعدا لهم و سحقا!

[السحق، بضم السين: البعد البعيد.] انهم والله لم ينفروا من جور و لم يلحقوا بعدل!

يا اشباه الرجال
من خطبه له بعد ان غزا سفيان بن عوف من بنى غامد، بلده الانبار على الشاطى ء الشرقى للفرات. و قد بعثه معاويه لشن الغارات على اطراف العراق تهويلا على اهله.

و هذا اخو غامد و قد وردت خيله الانبار و قد قتل حسان بن حسان البكرى و ازال خيلكم عن مسالحها.

[جمع مسلحه، و هى: الثغر و المرقب حيث يخشى طروق الاعداء.] و قتل منكم رجالا صالحين. و لقد بلغنى ان الرجل منهم كان يدخل على المراه المسلمه، و الاخرى المعاهده

[المعاهده: الذميه، اى الداخله فى ذمه المسلمين و فى حمايتهم. و اهل الذمه هم اهل الكتاب من غير المسلمين.] فينتزع حجلها

[الحجل: الخلخال.] و قلبها

[القلب، بالضم، كقفل: السوار.] و قلائدها و رعاثها

[الرعاث جمع رعثه: القرط.] ما تمنع منه الا بالاسترجاع

[الاسترجاع: ترديد الصوت بالبكاء.] و الاسترحام ثم انصرفوا وافرين

[وافرين: تامين على كثرتهم لم ينقص عددهم.] ما نال رجلا منهم كلم لولا اريق لهم دم. فلو ان امرا مسلما مات من بعد هذا اسفا ما كان به ملوما بل كان به جديرا. فيا عجبا، و الله، يميت القلب و يجلب الهم اجتماع هولاء القوم على باطلهم و تفرقكم عن حقكم، فقبحا لكم و ترحا

[ترحا: هما و حزنا.] حين صرتم غرضا يرمى: يغار عليكم لولا تغيرون، و تغزون لولا تغزون، و يعصى الله و ترضون! فاذا امرتكم بالسير اليهم فى ايام الصيف قلتم: هذه حماره القيظ

[حماره القيظ، بتشديد الراء: شده الحر.] امهلنا يسبخ عنا الحر

[يسبخ: يخفف و يسكن.]! و اذا امرتكم بالسير اليهم فى الشتاء قلتم: هذه صباره القر

[صباره الشتاء، بتشديد الراء: شده برده. و القر: البرد، و فى كتب فقه اللغه ان 'القر' هو برد الشتاء خاصه، اما 'البرد' فعام فيه و فى بقيه الفصول.] امهلنا

ينسلخ عنا البرد! كل هذا فرارا من الحر و القر، فانتم والله من السيف افر، يا اشباه الرجال لولا رجال! حلوم الاطفال، و عقول ربات الحجال

[ربات الحجال: النساء.] لوددت انى لم اركم و لم اعرفكم! معرفه والله جرت ندما و اعقبت سدما!

[السدم: الهم مع الاسف و الغيظ.] قاتلكم الله! لقد شحنتم صدرى غيظا و افسدتم على رايى بالعصيان و الخذلان، حتى قالت قريش: ان ابن طالب ابى رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب!

لله ابوهم! و هل احد منهم اشد لها مراسا و اقدم فيها مقاما منى؟! لقد نهضت فيها و ما بلغت العشرين، و ها اناذا قد ذرفت على الستين،

[ذرفت على الستين: زدت عليها.] ولكن لا راى لمن لا يطاع!!

لو ضربته بسيفى هذا
من كلام له:

لو ضربت خيشوم المومن بسيفى هذا على ان يبغضنى ما ابغضنى. و لو صببت الدنيا بجماتها

[جمات، جمع جمه، بفتح الجيم، و هى من السفينه مجتمع الماء المترشح من الواحها، اى: لو كفات عليه الدنيا بجليلها و حقيرها.] على المنافق على ان يحبنى ما احبنى!

اقولا بغير علم
من خطبه له فى تانيب المتخاذلين من اصحابه:

ايها الناس المجتمعه ابدانهم، المختلفه اهواوهم، كلامكم يوهى الصم الصلاب و فعلكم يطمع فيكم الاعراء!

[الصم، جمع اصم، و هو من الحجاره الصلب. و الصلاب: الشديده، اى تقولون من الكلام ما يفلق الحجر بشدته و قوته، ثم يكون فعلكم من الضعف و الاختلال بحيث يطمع فيكم العدو.] ما عزت دعوه من دعاكم لولا استراح قلب من قاساكم! اى دار بعد داركم تمنعون؟ و مع اى امام بعدى تقاتلون؟ المغرور والله من غررتموه، و من فاز بكم فقد فاز بالسهم الاخيب! اصبحت والله لا اصدق قولكم لولا اطمع فى نصركم لولا اوعد العدو بكم! ما بالكم؟ ما دواوكم؟ ما طبكم؟ القوم رجال امثالكم! اقولا بغير علم؟ و غفله من غير ورع؟ و طمعا فى غير حق؟!

لا اصلحكم بافساد نفسى
و من كلام له فى تانيب المتخاذلين من اصحابه ايضا:

كم اداريكم كما تدارى الثياب المتداعيه كلما حيصت من جانب

تهتكت من آخر!

[المتداعيه: الخلقه المتخرقه. و مداراتها: استعمالها بالرفق التام.] اكلما اطل عليكم منسر من مناسر

[المنسر: القطعه من الجيش تمر امام الجيش الكثير.] اهل الشام اغلق كل رجل منكم بابه، و انجحر انجحار الضبه فى جحرها و الضبع فى وجارها

[انجحر: دخل الجحر او الوجار.]؟! الذليل والله من نصرتموه! و انكم والله لكثير فى الباحات قليل تحت الرايات، و انى لعالم بما يصلحكم و يقيم اودكم

[اودكم: اعوجاجكم.] ولكنى لا ارى اصلاحكم بافساد نفسى!

الراى مع الاناه
من كلام له و قد اشار عليه اصحابه بالاستعداد للحرب بعد ارساله جرير ابن عبدالله البجلى الى معاويه:

ان استعدادى لحرب اهل الشام و جرير عندهم اغلاق للشام، و صرف لاهله عن خير ان ارادوه. و الراى عندى مع الاناه.

و لقد ضربت انف هذا الامر و عينه

[مثل تقوله العرب فى الاستقصاء فى البحث و التامل.] و قلبت ظهره و بطنه، فلم ار

لى الا القتال او الكفر.

[المراد بالكفر هنا: الفسق، لان ترك القتال تهاون بالنهى عن المنكر، و هو فسق.] انه قد كان على الناس و ال احدث احداثا

[يريد من الوالى الخليفه الذى كان قبله، و تلك الاحداث معروفه فى التاريخ، و هى التى ادت بالقوم الى التالب على قتله.] و اوجد للناس مقالا، فقالوا، ثم نقموا فغيروا.

لقد سئمت عتابكم
من خطبه له فى استنفار الناس الى اهل الشام:

اف لكم، لقد سئمت عتابكم! اذا دعوتكم الى جهاد عدوكم دارت اعينكم كانكم من الموت فى غمره

[دوران الاعين: اضطرابها من الجزع، و من غمره الموت يدور بصره. و غمره الموت: الشده التى تنتهى اليه.]، و من الذهول فى سكره! ما انتم الا كابل ضل رعاتها فكلما جمعت من جانب انتشرت من آخر! تكادون لولا تكيدون، و تنقص اطرافكم فلا تمتعضون

[تغضبون.]، لا ينام عليكم و انتم فى غفله ساهون، غلب والله المتخاذلون! و ايم الله انى لاظن بكم ان لو حمس الوغى و استحر الموت قد انفرجتم عن ابن ابى

طالب انفراج الراس.

[حمس: اشتد و صلب. استحر: بلغ فى النفوس غايه حدته. و قوله 'انفراج الراس' يعنى انفراجا لا التئام بعده، فان الراس اذا انفرج عن البدن او انفرج احد شقيه عن الاخر لم يعد للالتئام.] والله ان امرا يمكن عدوه من نفسه يعرق لحمه

[ياكل لحمه حتى لا يبقى منه شى ء على العظم.] و يهشم عظمه و يفرى جلده، لعظيم عجزه ضعيف ما ضمت عليه جوانح صدره.

[الجوانح: الضلوع تحت الترائب. يريد ضعيف القلب.] انت فكن ذاك ان شئت

[يمكن ان يكون خطابا عاما لكل من يمكن عدوه من نفسه. و يروى انه خطاب للاشعث بن قيس عندما قال له: 'هلا فعلت فعل عثمان' فاجابه الامام بقوله هذا.] فاما انا فوالله دون ان اعطى ذلك ضرب بالمشرفيه تطير منه فراش الهام

[فراش الهام: العظام الرقيقه التى تلى القحف.] و يفعل الله بعد ذلك ما يشاء!

بقاء الدوله
من خطبه له خطبها بصفين:

اما بعد، فقد جعل الله سبحانه لى عليكم حقا بولايه امركم، و لكم على من الحق مثل الذى لى عليكم، فالحق اوسع الاشياء فى التواصف و اضيقها فى التناصف

[يتسع القول فى وصفه حتى اذا وجب الحق على الانسان الواصف له، فر من ادائه و لم ينتصف من نفسه كما ينتصف لها.]، لا يجرى لاحد الا جرى عليه، لولا يجرى عليه الا جرى له.

ثم جعل، سبحانه، من حقوقه حقوقا افترضها لبعض الناس على بعض، فجعلها تتكافا فى وجوهها، و يوجب بعضها بعضا، لولا يستوجب بعضها الا ببعض.

[اى: لا يستحق احد شيئا الا بادائه مكافاه ما يستحقه.] و اعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حق الوالى على الرعيه و حق الرعيه على الوالى، فليست تصلح الرعيه الا بصلاح الولاه لولا يصلح الولاه الا باستقامه الرعيه. فاذا ادت الرعيه الى الوالى حقه و ادى الوالى اليها حقها عز الحق بينهم، و اعتدلت معالم العدل، فصلح بذلك الزمان و طمع فى بقاء الدوله و يئست مطامع الاعداء. و اذا

[اى: اذا عطل الحق لا تاخذ النفوس وحشه او استغراب لتعودها على تعطيل الحقوق و افعال الباطل.] غلبت الرعيه و اليها، او اجحف الوالى برعيته، اختلفت هنالك الكلمه و ظهرت معالم الجور فعمل بالهوى و عطلت الاحكام و كثرت علل النفوس فلا يستوحش لعظيم حق عطل لولا لعظيم باطل فعل! فهنالك تذل الابرار و تعز الاشرار.

و ليس امرو و ان عظمت فى الحق منزلته بفوق ان يعان

[بفوق ان يعان: باعلى من ان يحتاج الى الاعانه، اى: بغنى عن المساعده.] على ما حمله الله من حقه، لولا امرو و ان صغرته النفوس و اقتحمته

[اقتحمته: احتقرته.] العيون بدون ان يعين على ذلك او يعان عليه.

هنا اجابه رجل من اصحابه بكلام طويل يكثر فيه الثناء عليه و يذكر سمعه و طاعته له. فقال الامام هذا القول الرائع:

و ان من اسخف حالات الولاه عند صالح الناس ان يظن بهم حب الفخر و يوضع امرهم على الكبر. و قد كرهت ان يكون جال فى ظنكم انى احب الاطراء و استماع الثناء، و لست بحمدالله كذلك، فلا تكلمونى بما تكلم به الجبابره، لولا تتحفظوا منى بما يتحفظ به عند اهل البادره

[البادره: الحده و الغضب.] لولا تخالطونى بالمصانعه، لولا تظنوا بى استثقالا فى حق قيل لى، فانه من استثقل الحق ان يقال له او العدل ان يعرض عليه كان العمل بهما اثقل عليه! فلا تكفوا عن مقاله بحق او مشوره بعدل، فانى لست فى نفسى بفوق ان اخطى ء؟

السلم اولى
من كلام له و قد استبطا اصحابه اذنه لهم فى القتال بصفين:

اما قولكم: اكل ذلك كراهيه الموت؟! فوالله ما ابالى ادخلت الى الموت او خرج الموت الى! و اما قولكم شكا فى اهل الشام! فوالله ما

ما دفعت الحرب يوما الا و انا اطمع ان تلحق بى طائفه فتهتدى بى و تعشو الى ضوئى

[تعشو الى الضوء: تستدل عليه فى الظلام فتهتدى اليه.]، و ذلك احب الى من ان اقتلها على ضلالها، و ان كانت تبوء بآثامها.

الوصيه الشريفه
من وصيه له لعسكره قبل لقاء العدو بصفين:

لا تقاتلوهم حتى يبداوكم، فانكم بحمدالله على حجه، و ترككم اياهم حتى يبداوكم حجه اخرى لكم عليهم. فاذا كانت الهزيمه باذن الله فلا تقتلوا مدبرا لولا تصيبوا معورا

[المعور: الذى امكن من نفسه و عجز عن حمايتها.] لولا تجهزوا على جريح، لولا تهيجوا النساء باذى و ان شتمن اعراضكم و سببن امراءكم!

اللهم جنب المنتصر البغى
من خطبه له لما عزم على لقاء القوم بصفين:

اللهم رب هذه الارض التى جعلتها قرارا للانام، و مدرجا

للهوام و الانعام، و ما لا يحصى مما يرى و مما لا يرى! و رب الجبال الرواسى التى جعلتها للارض اوتادا و للخلق اعتمادا

[اعتمادا: معتمدا، اى ملجا يعتصمون به اذا طردتهم الغارات من السهول. و كما ان الجبال الرواسى هى ملجا يعتصم به الانسان، هى ايضا للحيوانات تعتصم بها.]، ان اظهرتنا

[اظهرتهم: نصرتهم و جعلت لهم الغلبه.] على عدونا فجنبنا البغى و سددنا للحق. و ان اظهرتهم علينا فارزقنا الشهاده و اعصمنا من الفتنه!

اللهم اصلح ذات بيننا و بينهم
من كلام له بصفين و قد سمع قوما من اصحابه يسبون اهل الشام ردا على سب اهل الشام اياه:

انى اكره لكم ان تكونوا سبابين. ولكنكم لو وصفتم اعمالهم و ذكرتم حالهم، كان اصوب فى القول و ابلغ فى العذر، و قلتم مكان سبكم اياهم:

اللهم احقن دماءنا و دماءهم، و اصلح ذات بيننا و بينهم، و اهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله و يرعوى عن الغى و العدوان من لهج به.

[الارعواء: النزوع عن الغى و الرجوع عن وجه الخطاء. لهج به: اولع به فثابر عليه.]

و نطق بالسنتهم
و من خطبه له:

اتخذوا الشيطان لامرهم ملاكا

[ملاك الشى ء: قوامه الذى يملك به.] و اتخذهم له اشراكا، فباض و فرخ فى صدورهم، و دب و درج فى جحورهم، فنظر باعينهم و نطق بالسنتهم، فركب بهم الزلل و زين لهم الخطل

[الخطل: اقبح الخطاء.] فعل من قد شركهم الشيطان فى سلطانه و نطق بالباطل على لسانه.

جعلوهم حكاما على الرقاب
سال الامام سائل عن احاديث البدع و عما فى ايدى الناس من اختلاف الخبر. فقال فى جمله ما قال:

ان فى ايدى الناس حقا و باطلا، و صدقا و كذبا. و قد اخبرك الله عن المنافقين بما اخبرك و وصفهم بما وصفهم به لك، ثم بقوا بعده- يعنى النبى- فتقربوا الى ائمه الضلاله و الدعاه الى النار بالزور و البهتان، فولوهم الاعمال و جعلوهم حكاما على رقاب الناس و اكلوا بهم الدنيا. و انما الناس مع الملوك الا من عصم الله!

صنفان
و من كلام له فى محبيه و مبغضيه:

و سيهلك فى صنفان: محب مفرط يذهب به الحب الى غير الحق، و مبغض مفرط يذهب به البغض الى غير الحق. و خير الناس فى حالا النمط الاوسط فالزموه، و الزموا السواد الاعظم فان يد الله مع الجماعه!

و من كلامه فى هولاء:

هلك فى رجلان: محب غال، و مبغض قال.

و من كلامه ايضا و قد توفى سهل بن حنيف الانصارى بالكوفه بعد رجوعه معه من صفين، و كان من اشد انصار الامام اندفاعا فى سبيل الحق.:

لو احبنى جبل لتهافت.

[تهافت: تساقط بعد ما تصدع.]

ائمه العدل
عاد الامام العلاء بن زياد الحارثى بالبصره، و هو من اصحابه. فلما راى سعه داره قال له:

ما كنت تصنع بسعه هذه الدار فى الدنيا؟ اما انت اليها فى الاخره كنت احوج؟ و بلى، ان شئت بلغت بها الاخره: تقرى فيها الضيف، و تصل فيها الرحم، و تطلع منها الحقوق مطالعها

[اطلع الحق مطالعه: اظهره حيث يجب ان يظهر.] فاذا انت قد بلغت بها الاخره!

فقال له العلاء: يا اميرالمومنين، اشكو اليك اخى عاصم بن زياد. قال: و ما له؟ قال: لبس العباءه و تخلى عن الدنيا. قال: على به. فلما جاء قال:

يا عدى نفسه

[عدى: تصغير عدو.] لقد استهام بك الخبيث. اما رحمت اهلك و ولدك! اترى الله احل لك الطيبات و هو يكره ان تاخذها؟ انت اهون على الله من ذلك.

[فى هذا الكلام بيان ان اطايب الدنيا لا تبعد الانسان عن الله لطبيعتها، ولكن لسوء القصد منها.]

قال عاصم: يا اميرالمومنين، ها انت فى خشونه ملبسك و جشوبه ماكلك! قال الامام:

ويحك، انى لست كانت. ان الله فرض على ائمه العدل ان يقدروا انفسهم بضعفه الناس كى لا يتبيغ بالفقير فقره.

[يقدروا انفسهم الخ..: يقيسوا انفسهم بالضعفاء ليكونوا قدوه للغنى فى الاقتصاد و صرف الاموال فى وجوه الخير و منافع المجتمع. يتبيغ بالفقير فقره: يهيج به الم الفقر فيهلكه.]

لو اعطيت الاقاليم السبعه
من كلام رائع له فى صفه نفسه حافظا لاموال العامه، و ذلك بعد ان املق اخوه عقيل بن ابى طالب فاستعطاه:

و الله لان ابيت على حسك السعدان

[يريد من الحسك: الشوك. و السعدان: نبت شائك ترعاه الابل.] مسهدا، و اجر فى الاغلال مصفدا، احب الى من ان القى الله و رسوله يوم القيامه ظالما لبعض العباد و غاصبا لشى ء من الحطام.

و الله لو اعطيت الاقاليم السبعه بما تحت افلاكها على ان اعصى الله فى نمله اسلبها جلب شعيره

[جلب: قشره.] ما فعلت. و ان دنياكم عندى لاهون

من ورقه فى فم جراده تقضمها

[تقضمها: تكسرها باطراف اسنانها.]! ما لعلى و لنعيم يفنى و لذه لا تبقى. نعوذ بالله من سبات العقل و قبح الزلل و به نستعين.

تحركه العواصف
من كلام له يجرى مجرى الخطبه:

و كنت كالجبل لا تحركه القواصف و لا تزيله العواصف: لم يكن لاحد فى مهمز

[الهمز و الغمز: الوقيعه، اى: لم يكن فى عيب اعاب به.] و لا لقائل فى مغمز. الذليل عندى عزيز حتى آخذ الحق له، و القوى عندى ضعيف حتى آخذ الحق منه!

لولا تخمه الظالم وجوع المظلوم
من خطبه له معروفه بالشقشقيه:

... الى ان قام ثالث القوم نافجا حضنيه

[يشير الى عثمان. نافجا حضينه: رافعا لهما، و الحضن: ما بين الابط و الكشح. يقال للمتكبر: جاءنا نافجا حضينه. و يقال مثله لمن امتلا بطنه طعاما.]، و قام معه بنوابيه يخضمون مال الله خضمه الابل نبته الربيع

[الخضم: الاكل مطلقا، او باقصى الاضراس.]، الى ان اجهز عليه

عمله و كبت به بطنته، فما راعنى الا و الناس ينثالون على

[البطنه: البطر و الاشر و التخمه و الاسراف فى الشبع. كبت به، من كبا الجواد اذا سقط لوجهه. ينثالون: يتتابعون مزدحمين.] من كل جانب، حتى لقد و طى ء الحسنان

[ولداه الحسن و الحسين.] و شق عطفاى

[شق عطفاه: خدش جانباه من الاصطكاك.]، مجتمعين حولى كربيضه الغنم.

[ربيضه الغنم: الطائفه الرابضه من الغنم.] فلما نهضت بالامر نكثت طائفه، و مرقت اخرى، و قسط آخرون

[الناكثه: اصحاب الجمل. و المارقه: اصحاب النهروان من الخوارج. القاسطون: الجائرون، و هم اصحاب صفين.] كانهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول: 'تلك الدار الاخره نجعلها للذين لا يريدون علوا فى الارض و لا فسادا و العاقبه للمتقين'!' بلى، والله لقد سمعوها و وعوها، ولكنهم حليت الدنيا فى اعينهم و راقهم زبرجها.

[الزبرج: الزينه من و شى او جوهر.] اما و الذى فلق الحبه و برا النسمه، لولا حضور الحاضر

[يقصد من حضر لبيعته، و لزوم البيعه لذمه الامام بحضوره.] و قيام الحجه بوجود الناصر، و ما اخذ الله على العلماء ان لا يقاروا على كظه ظالم و لا سغب مظلوم

[الكظه: ما يعترى الاكل من امتلاء البطن بالطعام، و المراد استثئار الظالم بالحقوق. السغب: شده الجوع، و المراد منه هضم حقوق المظلوم.]، لالقيت حبلها على غاربها

[الغارب: الكاهل، و الكلام تمثيل للترك و ارسال الامر.]، و لسقيت آخرها بكاس اولها، و لالفيتم دنياكم هذه ازهد عندى من عفطه عنز.

اهل الحيله
من خطبه له:

ان الوفاء توام الصدق و لا اعلم جنه اوقى منه.

[الجنه: الوقايه.] و لا يغدر من علم كيف المرجع. و لقد اصبحنا فى زمان قد اتخذ اكثر اهله الغدر كيسا

[الكيس: العقل.] و نسبهم اهل الجهل فيه الى حسن الحيله! ما لهم؟ قاتلهم الله! قد يرى الحول القلب وجه الحيله

[الحول القلب: البصير بتحويل الامور و تقليبها.] و دونه مانع من امر الله و نهيه فيدعها راى عين بعد القدره عليها و ينتهز فرصتها من لا حريجه له فى الدين.

[يقول: اهل هذا الزمان يعدون الغدر من العقل و حسن الحيله. ولكن ما لهم يزعمون ذلك مع ان البصير بتحويل الامور و تقليبها قد يرى وجه الحيله فى بلوغ مراده، لكنه يجد دون الاخذ به مانعا من امر الله و نهيه، فيدع الحيله و هو قادر عليها، خوفا من الله و وقوفا عند حدوده!.]

انت و اخوك الانسان
من وصيه له كتبها لابنه الحسن من صفين:

يا بنى، اجعل نفسك ميزانا فيما بينك و بين غيرك، فاحبب لغيرك

ما تحب لنفسك، و اكره له ما تكره لها، و لا تظلم كما لا تحب ان تظلم، و احسن كما تحب ان يحسن اليك، و استقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك، و ارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك، و لا تقل ما لا تعلم و ان قل ما تعلم، و لا تقل ما لا تحب ان يقال لك.

يا بنى، اياك ان تغتر بما ترى من اخلاد اهل الدنيا اليها و تكالبهم عليها

[اخلاد اهل الدنيا اليها: سكونهم اليها. التكالب: التوائب.] فقد نبا الله عنها و نعت لك نفسها و تكشفت لك عن مساويها، فانما اهلها كلاب عاويه و سباع ضاريه يهر بعضهم بعضا و ياكل عزيزها ذليلها و يقهر كبيرها صغيرها.

و اعلم ان من كانت مطيته الليل و النهار فانه يسار به و ان كان واقفا، و يقطع المسافه و ان كان مقيما وادعا.

[و ادعا: ساكنا مستريحا.]

اكرم نفسك عن كل دنيه و ان ساقتك الى الرغائب، فانك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا. و لا تكن عبد غيرك و قد جعلك الله حرا، و ما خير خير لا ينال الا بشر

[يريد: اى خير فى شى ء سماه الناس خيرا و هو مما لا يناله الانسان الا بالشر، فان كان طريقه شرا فكيف يكون هو خيرا؟.] و يسر لا ينال الا بعسر!

قارن اهل الخير تكن منهم، و باين اهل الشر تبن عنهم. بئس الطعام الحرام، و ظلم الضعيف افحش الظلم.

احمل نفسك من اخيك عند صرمه على الصله

[الصرم: القطيعه، اى: الزم نفسك بصله اخيك الانسان اذا قطعك.]، و عند صدوده

على اللطف و المقاربه، و عند جموده على البذل

[الجمود: البخل.]، و عند تباعده على الدنو، و عند شدته على اللين، و عند جرمه على العذر، حتى كانه ذو نعمه عليك. و لن لمن غالظك

[لن: امر من 'لان'.] فانه يوشك ان يلين لك، و خذ على عدوك بالفضل. و ان اردت قطيعه اخيك فاستبق له من نفسك بقيه يرجع اليها ان بدا له ذلك يوما ما.

[اى: استبق بقيه من الصله يسهل له معها الرجوع اليك اذا هو شاء ذلك.] و من ظن بك خيرا فصدق ظنه. و لا تضيعن حق اخيك اتكالا على ما بينك و بينه فانه ليس لك باخ من اضعت حقه. و لا يكونن اخوك على مقاطعتك اقوى منك على صلته

[اى: اذا اتى اخوك الانسان باسباب القطيعه فقابلها بموجبات الصله حتى تكون الغلبه للموده. و لا يصح ان يكون اخوك اقدر على ما يوجب القطيعه منك على ما يوجب الصله. و هذا ابلغ قول فى لزوم حفظ الموده بين الناس.] و لا يكونن على الاساءه اقوى منك على الاحسان، و ليس جزاء من سرك ان تسوءه.

ما اقبح الخضوع عند الحاجه و الجفاء عند الغنى. و ان جزعت على ما تفلت من يديك، فاجزع على كل ما لم يصل اليك. استدل على ما لم يكن بما كان، فان الامور اشباه. و لا تكونن ممن لا تنفعه العظه الا اذا بالغت فى ايلامه.

من ترك القصد جار.

[القصد: الاعتدال. جار: مال عن الصواب.] و الصديق من صدق غيبه.

[الغيب: ضد الحضور. اى: من حفظ لك حقك و هو غائب عنك.] رب قريب ابعد من بعيد، و رب بعيد اقرب من قريب، و الغريب من لم يكن له حبيب. سل عن الرفيق قبل الطريق، و عن الجار قبل الدار.

اذا تغير السلطان تغير الزمان!

انصتوا لقولى
من كلام له قاله للخوارج و قد خرج الى معسكرهم:

اكلكم شهد معنا صفين؟

فقالوا: منا من شهد و منا من لم يشهد.

قال: فامتازوا فرقتين، فليكن من شهد صفين فرقه، و من لم يشهدها فرقه، حتى اكلم كلا منكم بكلامه.

و نادى الناس:

امسكوا عن الكلام و انصتوا لقولى و اقبلوا بافئدتكم الى، فمن نشدناه شهاده فليقل بعلمه فيها.

ثم كلمهم بكلام طويل، من جملته ان قال:

الم تقولوا عند رفعهم المصاحف حيله و غيله، و مكرا و خديعه:

اخواننا و اهل دعوتنا استقالونا و استراحوا الى كتاب الله سبحانه، فالراى القبول منهم و التنفيس عنهم؟ فقلت لكم: هذا امر ظاهره ايمان و باطنه عدوان، و اوله رحمه و آخره ندامه. فاقيموا على شانكم و الزموا طريقكم و لا تلتفتوا الى ناعق نعق: ان اجيب اضل و ان ترك ذل؟

و قد كانت هذه الفعله، و قد رايتكم اعطيتموها. و الله لئن ابيتها ما وجبت على فريضتها، و لا حملنى الله ذنبها! و والله ان جئتها انى للمحق الذى يتبع. و ان الكتاب لمعى، ما فارقته مذ صحبته: فلقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه و آله، و ان القتل ليدور على الاباء و الابناء و الاخوان و القرابات، فما نزداد على كل مصيبه و شده الا ايمانا و مضيا على الحق و صبرا على مضض الجراح. و لكنا انما اصبحنا نقاتل اخواننا فى الاسلام على ما دخل فيه من الزيغ و الاعوجاج، و الشبهه و التاويل. فاذا طمعنا فى خصله

[الخصله، يراد بها هنا: الوسيله.] يلم الله بها شعثنا و نتدانى بها الى البقيه فيما بيننا، رغبنا فيها و امسكنا عما سواها!

تركا الحق و هما يبصرانه
من كلام له يكشف به للخوارج الشبهه و ينقض حكم الحكمين:

فان ابيتم الا ان تزعموا انى اخطات و ضللت، فلم تضللون عامه امه محمد صلى الله عليه و آله بضلالى، و تاخذونهم بخطئى،

و تكفرونهم بذنوبى! سيوفكم على عواتقكم تضعونها مواضع البرء و السقم، و تخلطون من اذنب بمن لم يذنب.

لم آت، لا ابالكم، بجرا، و لا ختلتكم عن امركم و لا ليسته عليكم

[البجر: الشر و الامر العظيم و الداهيه. ختلتكم: خدعتكم. لبسته عليكم: خلطته و شبهته حتى لا يعرف]، انما اجتمع راى ملئكم على اختيار رجلين اخذنا عليهما الا يتعديا القرآن، فتاها عنه، و تركا الحق و هما يبصرانه، و كان الجور هواهما فمضيا عليه. و قد سبق استثناونا عليهما، فى الحكومه بالعدل و الصمد للحق، سوء رايهما و جور حكمهما.

[الصمد: القصد.]

انا نذيركم
من خطبه له فى تخويف اهل النهروان

[النهروان: اسم لاسفل نهر على مقربه من الكوفه. و اهل النهروان هم الخوارج.] قبل ان يبداوه القتال:

فانا نذيركم ان تصبحوا صرعى باثناء هذا النهر و باهضام هذا الغائط

[صرعى، جمع صريع، اى: طريح. الاهضام، جمع: هضم و هو المطمئن من الوادى. و الغائط: ما سفل من الارض، و المراد هنا منها المنخفضات. يقول: انى احذركم من اللجاج فى العصيان فتصبحوا مقتولين مطروحين، بعضكم فى اثناء هذا النهر، و بعضكم فى هذا الوادى و هذه المنخفضات.] على غير بينه من ربكم و لا سلطان مبين معكم: قد طوحت بكم الدار

و احتبلكم المقدار

[يقال 'تطاوحت به النوى' اى: ترامت. احتبلهم: اوقعهم فى حبالته. المقدار: القدر. يقول: لقد صرتم فى متاهه لا يدع الضلال لكم سبيلا الى مستقر من اليقين، فانتم كمن رمت به داره و قذفته. و انتم مقيدون للهلاك لا تستطيعون منه خروجا.]، و قد كنت نهيتكم عن هذه الحكومه فابيتم على اباء المخالفين المنابذين حتى صرفت رايى الى هواكم، و انتم معاشر اخفاء الهام

[الهام: الراس. و خفه الراس كنايه عن قله العقل.] سفهاء الاحلام و لم آت، لا ابا لكم، بجرا و لا اردت لكم ضرا.

اين العمالقه
من خطبه خطب الامام بها الناس بالكوفه و هو قائم على حجاره نصبها له جعده بن هبيره المخزومى، و عليه مدرعه من صوف و حمائل سيف ليف، و فى رجليه نعلان من ليف:

اوصيكم عبادالله بتقوى الله الذى البسكم الرياش و اسبغ عليكم المعاش. فلو ان احدا يجد الى البقاء سلما، او لدفع الموت سبيلا، لكان ذلك سليمان بن داود عليه السلام، الذى سخر له ملك الجن و الانس، مع النبوه و عظيم الزلفه. فلما استوفى طعمته و استكمل

مدته، رمته قسى الفناء بنبال الموت، و اصبحت الديار منه خاليه، و المساكن معطله، و ورثها قوم آخرون. و ان لكم فى القرون السالفه لعبره!

اين العمالقه و ابناء العمالقه! اين الفراعنه و ابناء الفراعنه! اين اصحاب مدائن الرس الذين قتلوا النبيين و اطفاوا سنن المرسلين، و احيوا سنن الجبارين! اين الذين ساروا بالجيوش، و هزموا بالالوف، و عسكروا العساكر، و مدنوا المدائن!

اين عمار
و من الخطبه السابقه نفسها:

الا انه قد ادبر من الدنيا ما كان مقبلا، و اقبل منها ما كان مدبرا، و ازمع الترحال عبادالله الاخيار! ما ضر اخواننا الذين سفكت دماوهم و هم بصفين ان لا يكونوا اليوم احياء يسيغون الغصص و يشربون الرنق

[الرنق: الكدر.]؟ اين اخوانى الذين ركبوا الطريق و مضوا على الحق؟ اين عمار؟ و اين ابن التيهان؟ و اين ذو الشهادتين

[عمار: عمار بن ياسر، و كان ممن عذب هو و ابوه و اخوه و امه فى بدء الدعوه. و ابن التيهان: ابوالهيثم مالك بن التيهان، من اكابر الصحابه. ذوالشهادتين: خزيمه بن ثابت الانصارى، من الصحابه. و هولاء الثلاثه شهدوا صفين و استشهدوا بها.]؟ و اين نظراوهم من اخوانهم الذين تعاقدوا على النيه، و ابرد برووسهم الى الفجره

[ابرد برووسهم: ارسلت رووسهم مع البريد بعد قتلهم الى البغاه للتشفى منهم.]؟!

الكبر و التعصب و البغى
من خطبه له طويله تسمى 'القاصعه

[قصع فلان فلانا: حقره. و قد سميت هذه الخطبه 'القاصعه' لان ابن ابى طالب حقر فيها حال المتكبرين و اهل البغى.]':

و لا تكونوا كالمتكبر على ابن امه من غير ما فضل جعله الله فيه سوى ما الحقت العظمه بنفسه من عداوه الحسد، و قدحت الحميه فى قلبه من نار الغضب، و نفخ الشيطان فى انفه من ريح الكبر الذى اعقبه الله به الندامه.

فالله الله فى كبر الحميه و فخر الجاهليه، فانه منافخ الشيطان التى خدع بها الامم الماضيه و القرون الخاليه.

و لا تطيعوا الادعياء الذين شربتم بصفوكم كدرهم، و ادخلتم فى حقكم باطلهم، و هم اساس الفسوق اتخذهم ابليس مطايا ضلال و جندا بهم يصول على الناس، و تراجمه ينطق على السنتهم استراقا لعقولكم و دخولا فى عيونكم و نفثا فى اسماعكم، فجعلكم مرمى نبله و موطى ء قدمه و ماخذ يده. فاعتبروا بما اصاب الامم المستكبرين من قبلكم من باس الله، و اتعظوا بمثاوى خدودهم

[مثاوى، جمع مثوى، بمعنى المنزل. و منازل الخدود: مواضعها من الارض بعد الموت. و مصارع الجنوب: مطارحها على التراب.] و مصارع جنوبهم. و استعيذوا بالله من لواقح الكبر

[لواقح الكبر: محدثاته فى النفوس.] كما تستعيذون به من طوارق الدهر!

و لقد نظرت فما وجدت احدا من العاملين يتعصب لشى ء من الاشياء الا عن عله تحتمل تمويه الجهلاء او حجه تليط بعقول السفهاء، غيركم، فانكم تتعصبون لامر لا يعرف له سبب و لا عله: اما ابليس فتعصب على آدم لاصله، و طعن عليه فى خلقته، فقال: 'انا نارى و انت طينى!' و اما الاغنياء من مترفه الامم فتعصبوا لاثار مواقع النعم فقالوا: 'نحن اكثر اموالا و اولادا و ما نحن بمعذبين!'

فان كان لا بد من العصبيه فليكن تعصبكم لمكارم الخصال و محامد الافعال و محاسن الامور التى تفاضلت فيها المجداء و النجداء بالاخلاق الرغيبه و الاحلام العظيمه، فتعصبوا لخلال الحمد: من الحفظ للجوار و الوفاء بالذمام، و الطاعه للبر، و المعصيه للكبر، و الكف عن البغى، و الاعظام للقتل، و الانصاف للخلق، و الكظم للغيظ، و اجتناب الفساد فى الارض.

و احذروا ما نزل بالامم قبلكم من المثلات

[المثلات: العقوبات.] بسوء الافعال و ذميم الاعمال، فتذكروا فى الخير و الشر احوالهم و احذروا ان تكونوا امثالهم.

الا و قد امرنى الله بقتال اهل البغى و النكث

[النكث: نقض العهد.] و الفساد فى الارض: فاما الناكثون فقد قاتلت. و اما القاسطون فقد جاهدت.

[القاسطون: الجائرون على الحق.] و اما المارقه

فقد دوخت. و اما شيطان الردهه

[الردهه: النقره فى الجبل قد يجتمع فيها. و شيطانها ذو الثديه من روساء الخوارج وجد مقتولا فى ردهه.] فقد كفيته بصعقه سمعت لها وجبه قلبه و رجه صدره. و بقيت بقيه من اهل البغى، و لئن اذن الله فى الكره عليهم لاديلن منهم

[لاديلن منهم: لامحقننهم ثم اجعل الدوله لغيرهم.] الا ما يتشذر فى اطراف البلاد البلاد تشذرا.

[يتشذر: يتفرق، اى: لا يفلت منى الا من يتفرق فى اطراف البلاد.]

و انى لمن قوم لا تاخذهم فى الله لومه لائم: سيماهم سيما الصديقين، و كلامهم كلام الابرار، عمار الليل و منار النهار

[عمار، جمع عامر، اى: يعمرون الليل بالسهر للفكر و العباده.] لا يستكبرون و لا يعلون و لا يغلون

[يغلون. يخونون.] و لا يفسدون: قلوبهم فى الجنان و اجسادهم فى العمل.

الدنيا تطوى من خلفكم
من عهد له الى محمد بن ابى بكر حين قلده مصر. و فيه تذكير باحوال الدنيا و ترغيب للولاه فى ان يعدلوا و يرحموا لئلا يعذبوا، و ذلك باروع ما تجرى به ريشه العبقريه من بيان:

و انتم طرداء الموت: ان اقمتم له اخذكم، و ان فررتم منه ادرككم،

و هو الزم لكم من ظلكم! الموت معقود بنواصيكم

[النواصى، جمع ناصيه، و هى: مقدم شعر الراس.]، و الدنيا تطوى من خلفكم، فاحذروا نارا قعرها بعيد، و حرها شديد، و عذابها جديد، ليس فيها رحمه و لا تسمع فيها دعوه!

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page