• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الاقتداء بعمار

ثم إنه وردت روايات من رسول الله (ص) يأمر فيها بالاتباع والاقتداء بعمار والاهتداء بهديه ، ونذكر هنا عدة روايات منها وما يقرب من هذا المعنى .
الطبقات : قرأت كتاب عمر بن الخطاب إلى أهل الكوفة : أما بعد ، فإني بعثت إليكم عماراً أميراً ، وعبد الله معلماً ووزيراً ، وهما من النجباء من أصحاب رسول الله (ص) فاسمعوا لهما واقتدوا بهما . (1)
أنساب الأشراف : عن حذيفة قال رسول الله (ص) : اهتدوا بهدي عمار وتمسكوا بعهد ابن مسعود . (2)
ويروي أيضاً : عن حارثة قرأ علينا كتاب عمر بالكوفة : أما بعد ، فإني بعثت ... كما في الطبقات . (3)
ويروي أيضاً : عن ابن عباس قال : في قوله (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ) نزلت في عمار بن ياسر .
أقول : الآية في سورة الزُمر : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذينَ لا يَعْلَمُونَ) أي هل يستوي من هو قانت وقائم بالليل ومن هو عاصٍ ومذنب ، وهل القانت بالليل كاللاهي ، وهل الاقتداء به كالاقتداء بغيره .
الاستيعاب : عن ابن عباس في قول الله عَزَّ وجَلَّ : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشي بِهِ فِي النَّاسِ) ، قال : عمار بن ياسر . (4)
العقد الفريد : عن أم سلمة : لما بنى رسول الله (ص) مسجده بالمدينة أمر باللبن يضرب وما يحتاج إليه ، ثم قام رسول الله (ص) فوضع رداءه ، فلما رأى ذلك المهاجرون والأنصار وضعوا أرديتهم وأكسيتهم يرتجزون ويقولون ويعملون .
لئن قعدنا والنبي يعمل = ذاك إذاً لعمـل مُضلل
وكان عثمان رجلاً نظيفاً متنظفاً ، فكان يحمل اللبنة ويُجافي بها عن ثوبه ، فإذا وضعها نفض كفّيه ونظر إلى ثوبه فإذا أصابه شيء من التراب نفضه ، فنظر إليه عليّ (ع) فأنشده :
لا يستوي من يَعمر المساجدا = وقائماً طوراً وطوراً قاعـدا
يدأب فيها راكعــاً وساجدا = ومن يُرى عن الترات حائدا
فسمعها عمار بن ياسر فجعل يرتجزها وهو لا يدري من يعني ، فسمعه عثمان فقال : يا ابن سمية ما أعرفني بمن تُعرّض ومعه جريدة ، فقال : لتكفّنّ أو لأعترضنّ بها وجهك ! فسمعه النبي (ص) وهو جالس في ظلّ حائط ، فقال : عمار جلدة ما بين عيني وأنفي ، فمن بلغ ذلك منه فقد بلغ مني ... فأخذ به وطاف به في المسجد وجعل يمسح وجهه من التراب ويقول : يا ابن سمية ، لا يقتلك أصحابي ، ولكن تقتلك الفئة الباغية . فلما قتل بصفين وروى هذا الحديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال معاوية : هم قتلوه لأنهم أخرجوه إلى القتل ، فلما بلغ ذلك علياً قال : ونحن قتلنا أيضاً حمزة لأنا أخرجناه . (5)
عمار والحق
ابن ماجة : عن عائشة ، قال رسول الله (ص) : عمار ما عُرض عليه أمران إلا اختار الأرشد منهما . (6)
سنن الترمذي : عن عائشة ، قال رسول الله (ص) : ما خيّر عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما . (7)
أنساب الأشراف : عن عبد الله كما في ابن ماجة . (8)
ويروي أيضاً : عن القاسم : أول من بنى مسجداً يُصلى فيه عمار بن ياسر . (9)
سير الأعلام : يروي مثلها . (10)
أقول : فإذا قال رسول الله (ص) في حق عمار : (إنه يختار الأرشد من الأمرين) ، و(اهتدوا بهدي عمار) ، وقال الله تعالى في حقه : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ) ، فهل تبقى للناس حجة على الحق ، بل والله الحجة التامة عليهم .
وكان رسول الله (ص) يشاهد اختلاف الأمة بعده ، فهداهم إلى طريق الحق والسعادة ، وبيّن لهم سبيل النجاة والجنة ، وحذّرهم عن الضلالة والغواية بكلمات مختلفة وعبارات متفاوتة ، ومنها هذه التعبيرات في حق عمار :
سير الأعلام : عن سالم : جاء رجل إلى ابن مسعود فقال : إن الله قد آمَنَنا من أن يظلمنا ولم يُؤمننا من أن يفتِننا ! أرأيت أن أدركتُ فتنة ؟ قال : عليك بكتاب الله ، قال : أرأيت أن كان كلهم يدعو إلى كتاب الله ؟ قال سمعت رسول الله (ص) يقول : إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق . (11)
المستدرك : عن حذيفة قلنا يا أبا عبد الله حدّثنا ما سمعت من رسول الله (ص) في الفتنة ؟ قال حذيفة : قال رسول الله (ص) : دوروا مع كتاب الله حيث ما دار ، فقلنا : فإذا اختلف الناس فمع مَن نكون ؟ فقال : انظروا الفئة التي فيها ابن سمية فالزموها فإنه يدور مع كتاب الله . قال : قلت ومن ابن سمية ؟ قال : أو ما تعرفه ؟ قلت : بيّنه لي ؟ قال : عمار بن ياسر ، سمعت رسول الله (ص) يقول لعمار :  يا أبا اليقظان ، لن تموت حتى تقتلك الفئة الباغية عن الطريق . (12)
وهذا حديث له طرق بأسانيد صحيحة أخرجا بعضها ولم يُخرجاه بهذا اللفظ .
الكنى للدولابي : عن هند بن عمرو ، قال : سمعت عماراً يقول : أمرني رسول الله (ص) أن أقاتل مع عليّ ؛ الناكثين والقاسطين والمقارقين . (13)
أقول : قد بيّن رسول الله (ص) بأصرح بيان وأبلغ تعبير ، طريق هداية المسلمين وهداهم بهذه العلامة الواضحة إلى صراط حق مستقيم ، وألزم الأعداء المنافقين حجّته الكاملة ، وشاع هذا القول بين العامة والخاصة ، كما أشار إليه أمير المؤمنين (ع) في قوله :
أنساب الأشراف : قال علي (ع) : إن امرئً من المسلمين لم يعظم عليه قتلُ عمار ولم يدخل عليه بقتله مصيبة موجعة ، لغير رشيد . رحم الله عماراً يوم أسلم ، ورحم الله عماراً يوم قُتل ، ورحم الله عماراً يوم يُبعث حياً . لقد رأيت عماراً ما يُذكر من أصحاب رسول الله (ص) أربعة إلا كان الرابع ، ولا خمسة إلا كان الخامس . وما كان أحد من أصحاب محمد يشكّ في أن عماراً قد وجبت له الجنة في غير موطن ولا اثنين ، فهنيئاً له الجنة . عمار مع الحق أينما دار . وقاتل عمار في النار . (14)
أقول : ما أحسن وأتقن ما يُزار به أمير المؤمنين (ع) : (السلام عليك يا أمين الله في أرضه وحجته على عباده ، السلام عليك يا أمير المؤمنين ، أشهد أنك جاهدت في الله حق جهاده ، وعملت بكتابه ، واتّبعت سُنن نبيه ، وألزم أعداءك الحجة مع ما لك من الحجج البالغة على جميع خلقه) .
فهذا عمار بن ياسر واحد من حججه البالغة على الخلق تقتله الفئة الباغية :
مسند أحمد : عن أبي سعيد الخدري قال : كنا نحمل في بناء المسجد لِبنة لِبنة وعمار بن ياسر يحمل لِبنتين لِبنتين ، قال : فرآه رسول الله (ص) فجل يَنفض التراب عنه ويقول : يا عمار ألا تحمل لِبنة كما يحمل أصحابك ؟ قال : إني أريد الأجر من الله . قال : فجعل يَنفض التراب عنه ويقول : ويحَ عمار ! تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار . (15)
البخاري : وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين فمرّ به النبي (ص) ومسح عن رأسه الغبار وقال : ويح عمار ! تقتله الفئة الباغية ، عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار . (16)
السيرة النبوية : فدخل عمار بن ياسر وقد أثقلوه باللِبن ، فقال : يا رسول الله (ص) قتلوني ، يحملون عليّ ما لا يحملون ، قالت أم سلمة زوج النبي (ص) : فرأيت رسول الله (ص) ينفض وفرته بيده ـ وكان رجلاً جعداً ـ  وهو يقول : ويحّ ابن سمية ، ليسوا بالذين يقتلونك ، إنما تقتلك الفئة الباغية . (17)
ويقول : فغضب رسول الله (ص) ثم قال : ما لهم ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ، إن عماراً جلدة ما بين عينيّ وأنفي . (18)
سنن الترمذي : عن أبي هريرة عن النبي (ص) قال : أبشر يا عمار تقتلك الفئة الباغية . (19)
خصائص النسائي : بأسناد مختلفة كما في الترمذي . (20)
ويروي أيضاً : عن حنظلة ، قال : كنت عند معاوية فأتاه رجلان يختصمان في رأس عمار يقول كل واحد منهما : أنا قتلته ، فقال عبد الله بن عمرو : يطيب أحدكما نفساً لصاحبه ، فإني سمعت رسول الله (ص) يقول : تقتلك الفئة الباغية . (21)
ويروي أيضاً عن عبد الله بن الحارث : قال عبد الله بن عمرو بن العاص : يا معاوية ، ألا تسمع ما يقولون : تقتله الفئة الباغية ! فقال لا تزال داحضاً في قولك ، أنحن قتلناه ؟! وإنما قتله من جاء به إلينا .
مسلم : إن رسول الله (ص) قال لعمار حين جعل يحفر الخندق وجعل يمسح رأسه ويقول : بُؤس ابن سمية تقتلك فئة باغية . (22)
ثم روى أربعة أحاديث بطرق أُخر بهذا المضمون : تقتلُ عماراً الفئة الباغية .
وقال النووي (كما في حاشية الكتاب) : قال العلماء : هذا الحديث حجة ظاهرة في أن علياً رضي الله عنه كان محقاً مصيباً ، والطائفة الأُخرى بغاة ، لكنهم مجتهدون فلا إثم عليهم لذلك .
وقال في زاد المسلم : (ويح) يقال لمن وقع في مهلكة لا يستحقّها فيرثى له ، وويل لمن يستحقها فلا يرثى له ، وقال الفرّاء : الويح والويس كناية عن الويل . (يدعونه) أي الفئة الباغية . (إلى النار) أي إلى سببها وإن لم يتعمّدوا الدعاء إلى النار ، ... وإن اتّضح أن الحق مع عليّ كرم الله وجهه وطائفته ، لأن معاوية وطائفته كانوا مجتهدين ظانّين أنّهم يدعونه إلى الجنّة وإن كان الواقع في نفس الأمر بخلاف ذلك . (23)
الطبقات : عن هُنيّ مولى عمر بن الخطّاب كنت أول شيء مع معاوية على عليّ ، فكان أصحاب معاوية يقولون : لا والله لا نقتل عماراً أبدا ، إن قتلناه فنحن كما يقولون ، فلما كان يوم صفّين ذهبت أنظر في القتلى فإذا عمار بن ياسر مقتول ، فقال هُنيّ : فجئت إلى عمرو بن العاص وهو على سريره ، فقلت : أبا عبد الله ، قال : ما تشاء ؟ قلت : أنظر أكلمك ، فقام إليّ ، فقلت : عمار بن ياسر ما سمعت فيه ؟ فقال : قال رسول الله (ص) : تقتله الفئة الباغية . فقلت هو ذا والله مقتول ، فقال : هذا باطل ، فقلت : بصر به عيني مقتول ، قال : فانطلق فأرنيه ، فذهبت به فأوقفته عليه فساعة رآه انتُقع لونه ، ثم أعرض في شقّ وقال : إنما قتله الذي خرج به . (24)
ويروي أيضاً : سمعت عبد الله بن سلمة يقول : رأيت عمار بن ياسر يوم صفين شيخاً آدم ، في يده الحربة وأنها لترعد ، فنظر إلى عمرو بن العاص ومعه الراية ، فقال : إن هذه راية قد قاتلت بها مع رسول الله (ص) ثلاث مرات وهذه الرابعة ، والله لو ضربونا حتى يُبلّغونا سَعفات هجر لعرفت أن مَصلحتنا على الحق وأنهم على الضلالة . (25)
ويروي روايتين أخريين ، وفيهما : وأنهم على الباطل .
وفي مسند أحمد : ما يقرب منها . وفيها : أن مُصلحينا على الحق . (26)
ويروي في الطبقات أيضاً : شهد خزيمة بن ثابت الجمل وهو لا يَسلّ سيفاً ، وشهد صفين وقال : أنا لا أصل أبداً حتى يقتل عمار فأنظر من يقتله ، فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: تقتله الفئة الباغية . قال : فلما قتل عمار بن ياسر ؛ قال خزيمة : قد بانت لي الضلالة واقترب فقاتل حتى قتل . وكان الذي قتل عمار بن ياسر أبو غاوية المزني طعنه برمح فسقط ، وكان يومئذٍ يقاتل في محفّة فقتل يومئذٍ وهو ابن أربع وتسعين سنة ، فلما وقع أكبّ عليه رجل آخر فاحتزّ رأسه ، فأقبلا يختصمان فيه كلاهما يقول أنا قتلته . فقال عمرو بن العاص : والله إن يختصمان إلا في النار ، فسمعها منه معاوية ، فلما انصرف الرجلان قال معاوية لعمرو بن العاص : ما رأيت مثل ما صنعت ، قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهما : إنكم تختصمان في النار ، فقال عمرو : هو والله ذاك ، والله إنك لتعلمه ولوددت أني متّ قبل هذا بعشرين سنة (27) .
أنساب الأشراف : عن حنظلة : بينا أنا عند معاوية إذ أتاه رجلان يختصمان في رأس عمار ، فقال عبد الله بن عمرو : لتطلب نفس كل واحد منكما لصاحبه برأس عمار ، فإني سمعت رأس الله (ص) يقول : تقتل عماراً الفئة الباغية ، فالتفت معاوية إلى عمرو بن العاص ، فقال : ألا تُثني عنا مجنونك هذا ؟ فلِمَ يقاتل معنا إذاً ؟ فقال : إن رسول الله (ص) أمرني بطاعة أبي ، فأنا معكم ولست أُقاتل (28) .
مسند أحمد : نظيرها (29) .
ويروي أيضاً في الأنساب : عن عبد الله بن الحارث ، قال : إني لأسير مع معاوية من منصرفه من صفين بينه وبين عمرو بن العاص ، فقال عبد الله بن عمرو : يا أبتِ ، سمعتُ رسول الله (ص) يقول لعمار : ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية . فقال عمرو لمعاوية : ألا تسمع ما يقول هذا ؟ فقال معاوية : ما تزلا تدحض بها في قولك ، أنحن قتلناه ؟ إنما قتله الذين جاءوا به (30) .
ويروي أيضاً : عن خزيمة كما في الطبقات (ص259) (31) .
ويروي أيضاً : روايات قريبة من الطبقات (ص256) (32) .
تاريخ الطبري : فقال عبد الله بن عمرو لأبيه : يا أبتِ قتلتم هذا الرجل في يومكم هذا ! وقد قال رسول الله (ص) فيه ما قال ، قال : وما قال ؟ قال : ألم تكن معنا ونحن نبني المسجد الناس ينقلون حجراً حجراً ولبنة لبنة ، وعمار ينقل حجرين حجرين ولبنتين لبنتين عليه ، فأتاه رسول الله (ص) فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول : ويحك يا ابن سمية الناس ينقلون حجراً حجراً ولبنة لبنة وأنت تنقل حجرين حجرين ولبنتين لبنتين ، رغبة منك في الأجر ، وأنت ويحك ! مع ذلك تقتلك الفئة الباغية ! فدفع عمرو صدر فرسه ثم جذب معاوية إليه فقال : يا معاوية ، أما تسمع ما يقول عبد الله ؟ قال : وما يقول ؟ فأخبره الخبر ، فقال معاوية إنك شيخ أخرق ولا تزال تحدّث بالحديث وأنت تدحض في قولك ، أوَنحن قتلنا عماراً ؟! إنما قتل عماراً من جاء به ، فخرج الناس من فساطيطهم وأخبيتهم يقولون : إنما قتل عماراً من جاء به . فلا أدري من كان أعجب هو أو هم . (33)
أقول : هذه نصوص صريحة واردة في تمييز الحق وتشخيص العدل من الباطل والبغي ، غير قابلة الطرح ولا التأويل ، والعجب من تأويل معاوية بقوله : إنما قتل عماراً من جاء به . فيلزم على تأويله أن يكون رسول الله (ص) قاتل حمزة وسائر الشهداء في غزواته حيث جاء بهم . مع أن عماراً كان على بصيرة من أمره ولم يخرج من بيته متحيراً جاهلاً ، وقد سبق قوله : لو ضربونا حتى يبلغونا سعفات هجر لعرفت أن مصلحتنا على الحق وأنهم على الضلالة . والعجب العجاب قول بعض علمائهم المحجوبين عن الحق الذين في أبصارهم غشاوة : إن الطائفة الأخرى بغاة ولكنهم مجتهدون !! فيلزم على قول هؤلاء الجاهلين أعداء أهل البيت أن يكون كل مبطل ومخالف للدبن ومُبدع فيه مجتهداً لا إثم عليه وإن أبدع ، خلافاً لصريح الكتاب ونصّ السنة . فإن الاجتهاد الوصول إلى النص ووجدانه ، وليس معنى الاجتهاد : أن يتكلّف في تأويل النص الصريح وردّه وتفسيره برأيه ابتغاء الفتنة والفساد ، وقد قالوا : إن الاجتهاد في مقابل النص باطل . والدحض : البطلان والزلق .
أحاديث في فضله :
سنن الترمذي : عن عليّ : جاء عمار بن ياسر يستأذن على النبي (ص) فقال :
ائذنوا له ، مرحباً بالطبيب المطيب . (34)
سير الأعلام : عن هاني : قال : كنا جلوساً عند عليّ ، فدخل عمار فقال : مرحباً بالطيب المطيب ، سمعت رسول الله (ص) يقول : إن عماراً مُليء إيماناً إلى مشاشة . (35)
الاستيعاب : عن عائشة قالت : ما من أحد من أصحاب رسول الله (ص) أشاء أن أقول فيه إلا قلت ، إلا عمار بن ياسر ، فإني سمعت رسول الله (ص) يقول : مُليء عمار إيماناً إلى أخمص قدميه . ويروي رواية أخرى ، وفيها : حُشي ما بين أخمص قدميه إلى شحمة أُذنيه إيماناً . (36)
مسند أحمد : عن خالد بن الوليد قال : كان بيني وبين عمار بن ياسر كلام ، فأغلظت له في القول ، فانطلق عمار يشكوني إلى النبي (ص) فجاء خالد وهو يشكوه إلى النبي (ص) ، قال : فجعل يغلظ له ولا يزيد إلا غلظة والنبي (ص) ساكت لا يتكلم ، فبكى عمار وقال : يا رسول الله ألا تراه ؟ فرفع رسول الله (ص) رأسه وقال : من عادى عماراً عاداه الله ومن أبغض عماراً أبغضه الله .
قال خالد : فخرجت فما كان شيء أحبّ إليّ من رضا عمار . (37)
البخاري بإسناده : قال شقيق : كنت جالساً مع أبي مسعود وأبي موسى وعمار ، فقال أبو مسعود : ما من أصحابك أحد إلا لو شئت لقلت فيه غيرك ، وما رأيت منك شيئاً منذ صحبت النبي (ص) أعيب عندي من استسراعك في هذا الأمر ، قال عمار : يا أبا مسعود ما رأيت منك ولا من صاحبك هذا شيئاً منذ صحبتما النبي (ص) أعيب عندي من إبطائكما في هذا الأمر . (38)
أقول : هذه المكالمة وقعت في الكوفة حين بعث عمار يَستنفر أهلها إلى قتال أهل البصرة .
تاريخ الطبري : عن العُرني قال : انطلقت أنا وأبو مسعود إلى حذيفة بالمدائن فدخلنا عليه ، فقال : مرحباً بكما ، ما خلفتما من قبائل العرب أحداً أحبّ إليّ منكما ، فأسندته إلى أبي مسعود فقلنا : يا أبا عبد الله ، حدّثنا فإنا نخاف الفتن ! فقال : عليكما بالفئة التي فيها ابن سمية ، إني سمعت رسول الله (ص) يقول : تقتله الفئة الباغية الناكبة عن الطريق ، وإن آخر رزقه ضياح من لبن . قال العرني : فشهدته يوم صفّين وهو يقول ائتوني بآخر رزق لي من الدنيا ! فأتي بضياح من لبن في قدح أروح ، له حلقة حمراء ، فما أخطأ حذيفة مقياس شعرة ، فقال : اليوم ألقى الأحبّة محمداً وحزبه . (39)
سير الأعلام : قال أبو الدرداء : أليس فيكم الذي أعاذه الله على لسان نبيّه من الشيطان ؟ يعني عماراً . (40)
ويروي عن خثيمة قلت لأبي هريرة حدثني ، فقال : تسألني وفيكم علماء أصحاب محمد والمجار من الشيطان عمار بن ياسر .
أقول : والعجب اتفاق كل من الموافق والمخالف على هذه الروايات في فضله ومقامه ، وأعجب منه ، ما روي في تهذيب ابن عساكر : من أن أهل الشام طلبوا أن يصلوا عليه بعد موته : إن أهل الشام لما بلغهم قتل عمار بن ياسر يوم صفين بعثوا من يعرفه ليأتيهم بعلمه ، فعاد إليهم فأخبرهم أنه قد قتل ، فنادى أهل الشام : أصحاب علي إنكم لستم بأولى بالصلاة على عمار منّا ، فتوادعوا عن القتال حتى صلّوا عليه جميعاً . (41)
الكنى للدولابي : عن رياح بن الحارث قال : كنت إلى جنب عمار بن ياسر بصفين وركبتي تمسّ ركبته ، فقال له رجل : كفر أهل الشام ، فقال عمار : لا تقل ذاك ، ديننا ودينهم واحد وقبلتنا وقبلتهم واحدة ، ولكنهم قوم مفتونون جاوزوا عن الحق ، حق علينا أن نقاتلهم حتى يرجعوا . (42)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الطبقات ، ج 6 ، ص7 .
2 ـ أنساب الأشراف ، ج 1 ، ص162 .
3 ـ نفس المصدر ، ص163 .
4 ـ الاستيعاب ، ج 3 ، ص1137 .
5 ـ العقد الفريد ، ج 4 ، ص342 .
6 ـ ابن ماجة ، ج 1 ، ص66 .
7 ـ سنن الترمذي ، ص542 .
8 ـ أنساب الأشراف ، ج 1 ، ص169 .
9 ـ أنساب الأشراف ، ج 1 ، ص162 .
10 ـ سير الأعلام ، ج 1 ، ص295 .
11 ـ نفس المصدر ، ص298 .
12 ـ مستدرك الحاكم ، ج 2 ، ص148 .
13 ـ الكنى للدولابي ، ج 1 ، ص117 .
14 ـ أنساب الأشراف ، ج 1 ، ص174 .
15 ـ مسند أحمد ، ج 3 ، ص91 .
16 ـ البخاري ، ج 2 ، ص87 .
17 ـ السيرة النبوية ، ج 2 ، ص142 .
18 ـ نفس المصدر ، ص143 .
19 ـ سنن الترمذي ، ص542 .
20 ـ خصائص النسائي ، ص29 .
21 ـ نفس المصدر السابق ، ص30 .
22 ـ مسلم ، ج 8 ، ص185 .
23 ـ زاد المسلم ، ج 4 ، ص94 .
24 ـ الطبقات ، ج 3 ، ص253 .
25 ـ نفس المصدر ، ص256 .
26 ـ مسند أحمد ، ج 4 ، ص319 .
27 ـ الطبقات ، ج 3 ، ص259 .
28 ـ أنساب الأشراف ، ج 1 ، ص168 .
29 ـ مسند أحمد ، ج 2 ، ص164 .
30 ـ أنساب الأشراف ، ج 1 ، ص169 .
31 ـ نفس المصدر ، ص170 .
32 ـ نفس المصدر ، ص171 .
33 ـ تاريخ الطبري ، ج 6 ، ص22 .
34 ـ سنن الترمذي ، ص542 .
35 ـ سير الأعلام ، ج 1 ، ص296 .
36 ـ الاستيعاب ، ج 3 ، ص1137 .
37 ـ مسند أحمد ، ج 4 ، ص89 .
38 ـ البخاري ، ج 4 ، ص141 .
39 ـ تاريخ الطبري ، ج 6 ، ص31 .
40 ـ سير الأعلام ، ج 1 ، ص299 .
41 ـ تهذيب ابن عساكر ، ج 3 ض 280 .
42 ـ الكنى للدولابي ، ج 1 ، ص155 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page