• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

القعود والخروج والقتال

الشريعة : عن أبي هريرة ، قال رسول الله (ص) : تكون فتنة القاعد فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي ، من يستشرف لها تستشرف له ، ومن وجد منها ملجأ أو معاذً فَلَيُعذبه . (1)
أقول : القعود لازم في الأمور المشتبهة وموارد الفتن ، لا في مقام يجب الطاعة والتسليم ، كالطاعة لمن ولِيَ المسلمين ، فالتحذير في الحديث يتوجه إلى الماشين والساعين إلى قتال أمير المؤمنين علي (ع) في حرب الجمل وصفين والخوارج ، الذين نقضوا عهدهم ونكثوا بيعتهم وخرجوا عليه . وقد صرّح في الحديث بأن هذا الحكم مخصوص بمورد الفتنة وفي وجاهها ، أي في مورد يشتبه التكليف وأن تكون الوظيفة الدينية من جهة القعود أو القتال مجهولة . فالتكليف الدينيّ الإلهي للخليفة الحق هو القيام والقتال في مقابل المخالفين ودفع شرهم ورفع فتنتهم ، ويجب للمسلمين أن يكونوا مع الإمام وينصروه ويجاهدوا معه على أعدائه . وأما إذا لم يكونوا مع إمام إلهيّ واشتبه الأمر ولم يُعرف الحق فالتكليف يومئذٍ هو القعود والاحتياط .
فالقاعد في زمان الإمام الإلهي كالقاعد في زمان رسول الله (ص) قال تعالى : (إِنَّكُمْ رَضيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفين‏) (وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدينَ عَلَى الْقاعِدينَ أَجْراً عَظيماً) .
مستدرك الحاكم : عن أبي أيوب قال : سمعت النبي (ص) يقول لعليّ بن أبي طالب :  تُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بالطرقات والنهروانات والشعفات ، قال أبو أيوب : قلت يا رسول الله : مع من نُقاتل هؤلاء الأقوام ؟ قال : مع علي بن أبي طالب . (2)
أقول : ففي هذه الرواية الشريفة قد صرح رسول الله (ص) بأن تكليف الإمام الحق هو القتال والمجاهدة في مقابل الناكثين والقاسطين والمارقين ، وبأن تكليف الرعية والمسلمين أيضاً هو إطاعته واتّباعه والقتال معه للمخالفين .
فتبيّن أن قعود بعض المتنسّكين والمتورّعين عن نصرة أمير المؤمنين علي (ع) ليس إلا على الباطل ، ومن هؤلاء المتنسكين القاعدين أبو موسى الأشعري وأتباعه وأشباهه ، الجاهلون بوظائفهم ، والقاصرون عن معرفة إمامهم . والمقصّرون في العمل بما يجب عليهم .
وقد يُصرّح رسول الله (ص) أيضاً بهذه الوظائف ويُبيّنها ويوضحها حتى يرتفع الإشكال ويتبيّن الحق .
مسند أحمد : عن أبي سعيد ، قال رسول الله (ص) : إن منكم من يقاتل على تأويله كما قاتلت على تنزيله ، قال : فقام أبو بكر وعمر ، فقال : لا ، ولكن خاصف النعل ، وعليّ يخصف النعل . (3)
ويروي عنه ، قال : كنا جلوساً ننتظر رسول الله (ص) فخرج علينا من بعض بيوت نسائه ، قال : فقمنا معه فانقطعت نعله فتخلف عليها عليّ يخصفها ، فمضى رسول الله (ص) ومضينا معه ، ثم قام ينتظره وقمنا معه ، فقال : إن منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن كما قتلت على تنيله ، فاستشرفنا وفينا أبو بكر وعمر ، فقال : لا ولكنه خاصف النعل ، قال : فجئنا نُبشره ، قال : وكأنه قد سمعه . (4)
أقول :  يستفاد من هذه الأحاديث أن مقاتلة رسول الله (ص) ومجاهدته كانت على تنزيل الكتاب وتثبيت أحكام القرآن وتحقيق آياته ، وأما مقاتلة أمير المؤمنين علي (ع) فتكون على تأويل الكتاب وتبيين آياته وفي مقام العمل بالأحكام وفي إجرائها وفي مصاديق تلك الأحكام . فالتنزيل مرحلة أولية للإسلام ، والمبعوث به هو الرسول . والتأويل مرحلة ثانوية له ، والمباشر به هو الإمام المنصوب من جانب الله ومن جانب رسوله . وهذا التعبير إبلغ بيان في مقام تعيين الخليفة الإلهي .
مستدرك الحاكم : عن طارق قال : رأيت علياً (رض) على رحل رث بالربذة وهو يقول للحسن والحسين : ما لكما تحنّان حنين الجارية ، والله لقد ضربت هذا الأمر ظهراً لبطن فما وجدت بدّاً من قتال القوم ، أو الكفر بما أنزل على محمد (ص) . (5)
ويروي : عن عمرة قالت : لما سار علي إلى البصرة دخل على أم سلمة زوج النبي (ص) يودعها ، فقالت : سر في حفظ الله وفي كنفه ، فوالله إنك لعلى الحق والحق معك ، ولولا أني أكره أن أعصي الله ورسوله : فإنه أمّرنا صلّى الله عليه وآله وسلم أن نقرّ في بيوتنا ؛ لسرت معك ؛ ولكن والله لأرسلن معك من هو أفضل عندي وأعز عليّ من نفسي . ابني عمر . (6)
الفائق : عليّ رضي الله عنه أقبل يريد العراق فأشار عليه الحسن بن علي أن يرجع ، فقال : والله لا أكون مثل الضبع تسمع اللدم حتى تخج فتُضاد . (7)
قال الزمخشري : هو الضرب بحجر ونحوه ، يعني لا أخدع كما يُخدع الضبع بأن يُلدم باب جحرها فتحسبه شيئاً تصيده فتخرج فتصاد .
تاريخ الطبري : فخرج يعترض لهما ليردّهما ، فبلغه أنهما قد فاتاه ، فهو يريد أن يخرج في إثرهما ، فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، آتي علياً فأقاتل معه هذين الرجلين وأم المؤمنين أو أخالفه ؟ إن هذا لشديد ، فخرجت فأتيته فأقيمت الصلاة بغلس فتقدم فصلى ، فلما انصرف أتاه ابنه الحسن فجلس فقال : قد أمرتك فعصيتني فتقتل غداً بمصعبة لا ناصر لك ، فقال علي (ع) : إنك لا تزال تحنّ حنين الجارية وما الذي أمرتني فعصيتك ؟ قال : أمرتك يوم أحيط بعثمان أن تخرج من المدينة فُيقتل ولست بها ، ثم أمرتك يوم قُتل ألا تُبايع حتى يأتيك وفود أهل الأمصار والعرب وبيعة كلّ مصر ، ثم أمرتك حين فعل هذان الرجلان ما فعلا أن تجلس في بيتك حتى يصطلحوا فإن كان الفساد كان على يدي غيرك ، فعصيتني في ذلك كله . قال : أي بنيّ ، أما قولك : لو خرجت من المدينة حين أحيط بعثمان : فوالله لقد أحيط بنا كما أحيط به . وأما قولك : لا تبايع حتى تأتي بيعة الأمصار ، فإن الأمر أمر أهل المدينة كرهنا أن يضيع هذا الأمر . وأما قولك حين خرج طلحة والزبير ، فإن ذلك كان وهناً على أهل الإسلام ووالله ما زلت مقهوراً مذ وليتُ منقوصاً لا أصل إلى شيء مما ينبغي . وأما قولك : اجلس في بيتك ، فكيف لي بما قد لزمني أو من تريدني !؟ أتريد أن أكون مثل الضبع التي يحاط بها ويقال دباب دبات ليست هاهنا حتى يُحل عرقوباها حتى تخرج ، وإذا لم أنظر فيما لزمني من هذا الأمر ويعنيني فمن ينظر فيه ، فكف عنك أي بنيّ . (8)
أقول : (أحيط بنا) أي من الطرفين ؛ لردّ الفتنة ورفع المشكل وحل الخلاف والبغضاء ، فكيف يمكن لنا الخروج في هذا المقام .
وقوله : (فإن الأمر أمر أهل المدينة) أي في عرف الناس ؛ فإن فيها الأكابر من المهاجرين والأنصار ، وهي مدينة رسول الله (ص) ، وفيها وقع الحل والعقد ، وعلى هذا جرت سيرة الخلفاء الماضين ، وكانت البلاد تابعة لها . ومع تحقق هذه الشرائط ، هل يجوز التواني والتعلل في أخذ الحق لصاحبه .
وقوله : (كان هنا) أي الجلوس في البيت وترك أمور المسلمين فيبقوا حيارى ويضلوا عن الحق ولو في أيام قليلة ، فيجب إجراء الحق وهداية الناس وطرد الباطل مهما أمكن وكيف يمكن .
وأما اعتراض ابنه الإمام الحسن (ع) : فإما من جهة أن يتوجه إليه آخرون من المسلمين ، وترتفع شبهاتهم . وأما من جهة العلوم والسياسات العرفية الظاهرية ، ولا ريب أن الامام يعلم ما لا يعلم غيره ، وللإمام تكاليف خاصة يتوجه إليها بقلبه ويعرفها بنور إلهي .
وقد سبق قوله (ع) كما في العقد الفريد : ألا وإنا أهل البيت من علم الله علْمُنا وبحُكم الله حكْمُنا ومن قول صادق سمعنا ، فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا ، معنا راية الحق من يتبعها لحق ومن تأخر عنها غرق . (9)
وفي الاستيعاب : ومن كلام لعلي (ع) : وما تبعةُ دم عثمان إلاَّّّّّّ عليهم ، وإنهم لهم الفئة الباغية ، بايعوني ونكثوا بيعتي ، وما استأنوا بي حتى يعرفوا جوري من عدلي ، وإني لراضٍ بحجة الله عليهم وعلمه فيهم ، وإني مع هذا لداعيهم ومعذر فيهم ، فإن قبلوا فالتوبة مقبولة والحق أولى مما أفضوا إليه ، وإن أبوا أعطيتُهم حد السيف ، وكفى به شافياً من باطل وناصراً . (10)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الشريعة ، ص 42 .
2 ـ مستدرك الحاكم ، ج 3 ، ص 140 .
3 ـ مسند أحمد ، ج 3 ، ص 33 .
4 ـ نفس المصدر ، ص 82 .
5 ـ مستدرك الحاكم ، ج 3 ، ص 115 .
6 ـ نفس المصدر ، ص 119 .
7 ـ الفائق ، ج 2 ، ص 459 .
8 ـ تاريخ الطبري ، ج 5 ، ص 170 .
9 ـ العقد الفريد ، ج 6 ، ص 67 .
10 ـ الاستيعاب ، ج 2 ، ص 499 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page