تاريخ الطبري : فقال أبو بكر : لو خطفتني الكلاب والذئاب لم أردّ قضاءً قضى به رسول الله (ص) . قال : فإنّ الأنصار أمروني أن أُبلّغك وأنّهم يطلبون إليك أن تُولّي أمرهم رجلاً أقدم سنّا من أسامة ! فوثب أبو بكر وكان جالساً فأخذ بلحية عمر فقال ثكلتك أمّك وعدمتك يا ابن الخطّاب استعمله رسول الله (ص) وتأمرني أن أنزعه . (1)
أقول : قد مرّ أنّ رسول الله (ص) قد أمّر أسامة على المهاجرين والأنصار ومنهم أبو بكر وأبو عبيدة وعمر ، ولعن مَن تخلّف عنه ، وكان يؤكّد تجهيزه ، ولكنّ أكثر الناس قد طعنوا في إمارته وتخلّفوا عنه ، ولم يبالوا بما قال رسول الله (ص) .
وقد اعترف عمر بفضله وقربه من النبيّ (ص) وكونه أحبّ إلى رسول الله (ص) من عبد الله بن عمر ، وأنّ أباه كان أحبّ إلى رسول الله من عمر ، في جواب اعتراض ابنه ، في الحديث الآتي :
الطبقات : قال عبد الله بن عمر : وكلّمتُه ( أي عمر ) فقلت : يا أمير المؤمنين فضّلت عليّ مَن ليس هو بأقدم منّي سنّاً ولا أفضل منّي هجرةً ولا شهد من المَشاهد ما لم أشهد ! قال : ومَن هو ؟ قلت : أسامة بن زيد ، قال : صدقت لعمر الله فعلت ذلك لأنّ زيد بن حارثة كان أحبّ إلى رسول الله (ص) من عمر ، وأسامة بن زيد كان أحبّ إلى رسول الله (ص) من عبد الله بن عمر ، فلذلك فعلت . (2)
ويروي أيضاً : فقلت : لم فرضت لأسامة أكثر ممّا فرضت لي ولم يشهد مشهداً إلاّ وقد شهدته ؟ فقال : إنّه كان أحبّ إلى رسول الله (ص) منك وكان أبوه أحبّ إلى رسول الله (ص) من أبيك .
فتوح البلدان : ما يقرب من الروايتين . (3)
أقول : يعترف عمر بأنّ مناط القرب والفضيلة هو المحبوبية عند الله تعالى وعند رسوله ، والأعمال الآخر مقدمات لحصول هذه النتيجة ، فمن كان أحبّ إلى الله والى رسوله فله الفضيلة والتفوّق والفخر والكمال ، وإن كان في حداثة السنّ .
وبعبارة أخرى : إنّ الأهم في العبادات والطاعات هو الكيفية ودرجة الإيمان وشدّة اليقين وطمأنينة النفس ، لا الكمية وكثرة العمل . قال الله تعالى : ( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) ، يريد الإخلاص . وهذا هو الموجب لحصول القرب والمحبوبية عند الله تعالى ورسوله الأكرم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ تاريخ الطبري ، ج 3 ، ص 212 .
2 ـ الطبقات ، ج 4 ، ص 70 .
3 ـ فتوح البلدان ، ص 443 .
عمر وأُسامة
- الزيارات: 2681