مستدرك الحاكم : عن علي بن رباح قال : إنّ عمر بن الخطّاب خطب الناس فقال : مَن أراد أن يسأل عن القرآن فليأت معاذ بن جبل ، ومن أراد أن يسأل عن المال ، فليأتني فإنّ الله تعالى جعلني خازناً . (1)
أقول : يعترف بأنّه يمتاز بكونه خازناً ، وأمّا العلم والمعرفة فيصرح بأنّ الأعلم والأفضل هو أُبي ومعاذ بن جبل .
ويروي أيضاً : عنه مثله ، وفيه : ومَن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت . (2)
ويروي : عن سعيد بن المسيب : أنّ عمر بن الخطاب أتى على هذه الآية ( الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ ) فأتى أُبيّ بن كعب فسأله : أيّنا لم يظلم ؟ فقال له : يا أمير المؤمنين : إنّما ذاك الشرك ، أما سمعت قول لقمان لابنه :( يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) . (3)
أقول : فهو يراجع في أصل الآية وفي تفسيرها إلى أُبي بن كعب .
ويروي أيضاً : عن أبي سلمة : مرَّ عمر بن الخطاب برجل وهو يقول : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ... ) الآية . فوقف عليه عمر فقال : انصرف ، فلمّا انصرف قال له عمر : من أقرأك هذه الآية ؟ قال : أقرأنيها أُبيّ بن كعب ، فقال : انطلقوا بنا إليه ! فانطلقوا إليه فإذا هو متّكئ على وسادة يرجلُ رأسه ، فسلّم عليه فردّ السلام ، فقال : يا أبا المنذر ! قال : لبيك ، قال : أخبرني هذا أنّك أقرأته هذه الآية ؟ قال : صدق ، تلقّيتها من رسول الله (ص) ، قال عمر : أنت تلقّيتها من رسول الله (ص) ؟ ثلاث مرات ، كل ذلك يقوله ، وفي الثالثة وهو غضبان : نعم والله ، لقد أنزلها الله على جبريل وأنزلها جبريل على محمّد ، فلم يستأمر فيها الخطّاب ولا ابنه ، فخرج عمر وهو رافع يديه وهو يقول الله أكبر الله أكبر .
ويروي أيضاً : عن ابن عبّاس ، قال عمر : عليّ أقضانا ، وأبيّ أقرأنا ، وإنا لندع بعض ما يقول أُبي ، وأُبي يقول : أخذت عن رسول الله (ص) ولا أدَعُه ، وقد قال الله تبارك وتعالى : ( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا ) .
أقول : يظهر من هذه الروايات أنّه كان آبيا عن قبول بعض الآيات الكريمة لقصور الوصول إلى حقيقتها ، مستدلاً بقوله تعالى : ( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا ) ، مع أنّ هذا تمسك بالعام في مورد الشبهة المصداقية ، وأنّ النسخ لا يوجب محو الآية من الكتاب الكريم .
الفائق : ومنه قول عمر بن الخطاب أعوذ بالله من كلّ مُعضلة ليس لها أبو حسن . (4)
أقول : تكشف هذه الروايات وأمثالها عن أنّ عمر لم يكن قادراً على حلّ معضلات المسائل ، ولم يكن مسلّطا على الوصول إلى حقائق آيات القرآن الكريم ، فكيف يرضى الله ورسوله أن يكون إماما يقتدي به المسلمون ويستفيد منه المتعلّمون .
مستدرك : عن أبي عبّاس : مُرّ على عليّ بمجنونة بني فلان قد زنت وأمر عمر بن الخطاب برجمها ، فردّها علي بن أبي طالب ، وقال لعمر : يا أمير المؤمنين أمرت برجم هذه ؟ قال : نعم . قال : أما تذكر أنّ رسول الله (ص) قال : رُفع القلم عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم . قال : صدقت ، فخلّى عنها . (5)
أقول : من شرائط توجّه التكليف : العقل والبلوغ والاختيار ، وإذا فقده الإنسان لم يتوجّه التكليف إليه حتى يُعاقب أو يُثاب . ورفعُ القلم كناية عن رفع التكليف .
ومن العجيب ما ورد من أحاديثهم في علم عمر : قال في الاستيعاب قال حذيفة : كان علم الناس كلّهم قد درس في علم عمر . وقال ابن مسعود : لو وضع علم أحياء العرب في كفّة ميزان ووضع علم عمر في كفّة لرجح علم عمر . وقد كانوا يرون أنّه ذهب بتسعة أعشار العلم . (6)
( بعض آرائه وحالاته )
ليس غرضنا الطعن على رجل مضى قبل قرون ، فضلا عن صحابيّ من أصحاب رسول الله (ص) ، وإنّما نريد بيان حقائق تاريخية ، حتى تنكشف متن الإسلام وما جاء به رسول الله (ص) ، عن أحداث حادثة وعن فتن نازلة . وحتى تتبيّن حقيقة وصية رسول الله (ص) حيث قال : إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي ما أن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبدا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ مستدرك الحاكم ، ج 3 ، ص 271 .
2 ـ نفس المصدر ، ص 272 .
3 ـ نفس المصدر ، ص 305 .
4 ـ الفائق ، ج 2 ، ص 163 .
5 ـ مستدرك الحاكم ، ج 2 ، ص 59 .
6 ـ الاستيعاب ، ج 3 ، ص 1149 .
عمر وعلمه
- الزيارات: 2860