• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

فتنة :( قول عمر أنّ رسول الله (ص) ما مات )

الملل والنحل : الخلاف الثالث في موته عليه السلام ، قال عمر بن الخطاب : من قال أنّ محمداً مات ؛ قتلته بسيفي هذا ، وإنّما رُفع إلى السماء كما رفع عيسى بن مريم عليه السلام ، وقال أبو بكر بن قحافة : من كان يعبد محمّداً فإنّ محمّداً قد مات ، ومن يعبد إله محمّد فإنّه حيّ لا يموت ، وقرأ هذه الآية : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) ، ( 3 : 144 )  فرجع القوم إلى قوله ، وقال عمر : كأنّي ما سمعت هذه الآية حتى قرأها أبو بكر . (1)
أقول : هذه فتنة أخرى ثالثة ، ظهرت حين رحلة رسول الله (ص) ، وهل كان هذا القول تدبيراً آخر حتى يصرف الناس عن التوجّه إلى موته ، والإقبال إلى أهل بيته إلى أن يتعيّن الخليفة ؟ أو كان منشأه الاشتباه والجهالة بموت النبيّ (ص) ؟
والظاهر أنّه مستند إلى علل أخرى ، فإنّ الحكم بأنّ عمر كان غافلاً وجاهلاً بهذا الموضوع في غاية البُعد . وأعجب منه قوله : من قال إن محمّداً مات قتلته بسيفي هذا .
مسند أحمد : عن أنس ، فقام عمر فقال : إنّ رسول الله لم يمت ، ولكن ربّه أرسل إليه كما أرسل إلى موسى ، فمكث عن قومه أربعين ليلة ، والله إنّي لأرجو أن يعيش رسول الله (ص) حتى يقطع أيدي رجال من المنافقين وألسنتهم يزعمون أنّ رسول الله (ص) قد مات . (2)
تاريخ الطبري والسيرة النبوية : لمّا توفي رسول الله (ص) قام عمر بن الخطاب فقال : إنّ رجالاً من المنافقين يزعمون أنّ رسول الله (ص) قد توفى ، وأنّ رسول الله (ص) ما مات ولكنّه ذهب إلى ربّه كما ذهب موسى بن عمران ، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثمّ رجع إليهم بعد أن قيل قد مات ، ووالله ليرجعنَّ رسول الله (ص) كما رجع موسى ، فليقطعنَّ أيدي رجال وأرجلهم زعموا أنّ رسول الله (ص) مات ، قال وأقبل أبو بكر حتى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبر ... قال عمر : والله ما هو إلاّ أن سمعت أبا بكر تلاها ، فعُقرت حتى وقعت إلى الأرض ما تحملني رجلاي وعرفت أنّ رسول الله (ص) قد مات . (3)
ويقول في السيرة : عن ابن عبّاس : والله إنّي لأمشي مع عمر في خلافته ... فقال يا ابن عبّاس هل تدري ما كان حملني على مقالتي التي قلت حين توفي رسول الله (ص) ؟ قال : قلت : لا أدري يا أمير المؤمنين ، أنت أعلم ! قال : فإنّه والله إن كان الذي حملني على ذلك الاّ أنّي كنت أقرأ هذه الآية : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) فوالله إن كنت لأظنّ أنّ رسول الله (ص) سيبقى في أمّته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها . (4)
أقول : هذا الاعتذار أسوء وأقبح من الخطأ الأوّل ؛ لأنّه يلزم أيضاً على هذا التفسير : طول بقاء الأمّة حتى يكونوا شهداء على الناس ، بل يجب كونهم موجودين من أوّل القرون إلى آخرها ، مع أنّ الخطاب في قوله تعالى (عليكم) لا يختص بالمشافهين الموجودين ، بل يعم جميع المسلمين إلى يوم القيامة .
والمراد من الشهادة الإحاطة والتوجه الروحاني لا الجسماني .
سنن الدارمي : فقام عمر فقال : إنّ رسول الله (ص) لم يمت ولكن عُرج بروحه ، كما عرج بروح موسى ، والله لا يموت رسول الله (ص) حتى يقطع أيدي أقوام وألسنتهم ، فلم يزل عمر يتكلّم حتى أزبَد شِدقاه بما يوعد ويقول ، فقام العبّاس فقال : إنّ رسول الله (ص) قد مات ، وإنّه لبشر وإنّه يأسن كما يأسن البشر ، أيْ قوم فادفنوا صاحبكم فإنّه أكرم على الله من ان يُميته إماتتين ! أيُميت أحدكم أماته ويُميته إماتتين ! وهو أكرم على الله من ذلك ، أيْ قوم فادفنوا صاحبكم ، فإن يك كما تقولون فليس بعزيز على الله أن يبحث التراب ... إلخ . (5)
أقول : يعلم من ذلك أنّ من قام وخطب بعد عمر هو العبّاس لا أبو بكر .
الطبقات : ويروي قريباً من الدارمي . (6)
ويروي أيضاً : عن عائشة لمّا توفّي رسول الله (ص) استأذن عمر والمغيرة بن شعبة فدخلا عليه فكشفا الثوب عن وجهه ، فقال عمر : واغشيا ما أشدّ غشي رسول الله (ص) ، ثمّ قاما فلمّا انتهيا إلى الباب قال المغيرة : يا عمر ، مات والله رسول الله (ص) فقال عمر : كذبت ما مات رسول الله (ص) ، ولكنّك رجل تحوشك فتنة ولن يموت رسول الله (ص) حتى يفني المنافقين ، ثمّ جاء أبو بكر وعمر يخطب الناس فقال له أبو بكر : اسكت ... إلخ . (7) ( الحوش : الجمع والسَوق )
ويروي أيضاً : عن أبي هريرة : دخل أبو بكر المسجد وعمر بن الخطاب يكلّم الناس ، فمضى حتى دخل بيت النبيّ (ص) الذي توفي فيه وهو في بيت عائشة ، فكشف عن وجه النبيّ (ص) برد حبرة كان مسجّى به ، فنظر إلى وجههِ ثمّ أكبّ عليه فقبّله ، فقال : بأبي أنت والله لا يجمع الله عليك الموتتين ، لقد مت الموتة التي لا تموت بعدها ، ثمّ خرج أبو بكر إلى الناس في المسجد وعمر يكلّمهم فقال أبو بكر : اجلس يا عمر ، فأبى عمر أن يجلس ، فكلّمه أبو بكر مرّتين أو ثلاثاً ، فلمّا أبى عمر أن يجلس ، قام أبو بكر فتشهّد ، فأقبل الناس إليه وتركوا عمر ... إلخ . (8)
ويروي أيضاً : عن عائشة أنّ النبي (ص) مات وأبو بكر بالسُنح ، فقام عمر فجعل يقول : والله ما مات رسول الله (ص).. إلخ .
أقول : يعلم من ذلك أنّ مَن قام وخطب بعد عمر هو العبّاس لا أبو بكر .
الأوّل : من معارف بعضهم : أنّ النبي (ص) ما مات ، وأن من يعتقد موته فهو منافق ، ثمّ يرجع النبيّ (ص) ويقطع يديه ورجليه .
الثاني : ومن أحاطته بالقرآن الكريم وآياته : أنّه يقول والله ما هو إلاّ أن سمعت أبا بكر تلاها ـ أي تلا آية : ( أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) ـ ويقول ـ في حديث الطبقات عن أبي هريرة ـ والله لكأنّ الناس لم يعلموا أنّ هذه الآية أنزلت .
الثالث : ومن علومه في التفسير : أنّه يزعم أنّ مقتضى آية ( لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً  ) هو إدامة حياة رسول الله (ص) ليكون شهيداً على الأمّة ، شهادة حسّية خارجية .
الرابع : ومن إطلاعاته التأريخية : انه يزعم أنّ موسى بن عمران عُرج بروحه وبقى جسده خالياً عن الروح مدّة أربعين يوماً ثم رجع روحه إلى جسده ـ وواعدنا موسى ثلاثين ليلة ... الآية .
الخامس : ومن تشخيصاته الطبية المزاجية : أنّه زعم بعد كشف الثوب عن وجه رسول الله (ص) أنّه ما مات ، بل غُشي عليه .
السادس : ومن فتاويه الفقهية : أنّه زعم أنّ رسول الله يرجع ويقطع أرجل وأيدي من يدّعي موته .
السابع : ومن شدّة محبّته وعلاقته لرسول الله (ص) : أنّه بعد أن علم موته وأيقن رحلته ، أعرض عنه وعن تجهيزاته ، وتوجّه مع أبي بكر والجراح إلى سقيفة بني ساعدة لتعيين السلطان .
الثامن : وليعلم أنّ هذه المراتب بعد أربعة أيام من قوله أنّ النبيّ ليهجر وكفانا كتاب الله .
التاسع : يظهر منها أنّه وكذلك أبو بكر ما كانا حاضرين عند رسول الله (ص) حين ما حُضر ثمّ جاءا بعد رحلته .
وفي ذيل رواية الطبقات عن عائشة : فنشج الناس يبكون (بعد كلام أبي بكر) واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة ، فقالوا منّا أمير ومنكم أمير ، فذهب إليهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح ، فذهب عمر يتكلّم فأسكته أبو بكر ، فكان عمر يقول : والله ما أردت بذلك إلا أنّي قد هيأت كلاماً قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر ... إلخ . (9)
ويروي أيضاً : عن أنس أنّه سمع عمر بن الخطاب الغد حين بويع أبو بكر في مسجد رسول الله (ص) ، واستوى أبو بكر على منبر رسول الله (ص)  : تشهد قبل أبي بكر ثمّ قال : أمّا بعد فإنّي قلت لكم أمس مقالة لم تكن كما قلت ، وإنّي والله ما وجدتها في كتاب أنزله الله ولا في عهد عهده إليّ رسول الله (ص) ، فقال كلمة يريد حتى يكون آخرنا ، فاختار الله لرسوله الذي عنده على الذي عندكم ، وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسولكم فخذوا به تهتدوا لما هُدي له رسول الله (ص) . (10)
أقول : كان رسول الله (ص) يقول كراراً : إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ؟! ولكن عمر بن الخطاب لا يذكر اسماً من العترة .
أَوَلا يتذكر عمر بن الخطاب أنّ كتاب الله يحتاج إلى مبيّن وعالم بحقائقه وظواهره وبواطنه ؟ أَوَلا يتذكّر قول رسول الله (ص) لعلي : أنتَ منّي بمنزلة هارون من موسى ؟! أَوَلا يتذكّر قوله (ص) : مَن كنت أنا وليّه فعليّ وليّه ، اللّهم انصر من نصره واخذل من خذله ؟! أَوَلا يتذكّر قوله (ص) لعليّ : أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي وأنت منّي وأنا منك ؟! أَوَلا يتذكّر قوله (ص) : مَثَل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ؟!
وسيجيء تفصيل الكلام في الفتن الآتية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الملل والنحل ، ج1 ، ص 15 .
2 ـ مسند أحمد ، ج3 ، ص 196 .
3 ـ تاريخ الطبري ، ج3 ، ص 197 ، والسيرة النبوية ، ج4 ، ص 305 .
4 ـ السيرة النبوية ، ج4 ، ص 312 .
5 ـ سنن الدارمي ، ج1 ، ص 39 .
6 ـ الطبقات ، ج2 ، ص 266 .
7 ـ الطبقات ، ج2 ، ص 267 .
8 ـ نفس المصدر ، ص 268 .
9 ـ الطبقات ، ج2 ، ص 268 .
10 ـ نفس المصدر ، ص 271 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page