فصل (1)
في علة مخالفة القوم من الحق
روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين من مسند أبي موسى الأشعري ، قال : قال عامر (2) بن أبي موسى ، قال لي عبد الله بن عمر : هل تدري ما قال أبي لأبيك (3) ؟ قلت : لا ، قال : وإنّ (4) أبي قال لأبيك : يا أبا موسى ! هل يسرّك (5) أسلامنا مع رسول الله صلى الله عليه و [ آله ] وسلّم ، وهجرتنا معه ، وجهادنا معه ، وكلّ ما عملنا معه (6) يردّ لنا كلّ عمل (7) عملنا بعده ، فإن كان ما عملنا معه يردّ لنا ما عملناه بعده فقد (8) نجونا معه كفافا بكفاف (9) ، و (10) رأسا برأس ، فقال أبوك لأبي : والله لقد جاهدنا (11) مع رسول الله صلى الله عليه و [ آله ] ، وصلّينا معه (12) ، وصمنا ، وعملنا خيرا كثيرا ، وأسلم على يدنا (13) خلق كثير ، وأنا أرجو ذلك (14) يردّ لنا كلّ عمل (15) عملناه بعده ، نجونا منه كفافا بكفاف و (16) رأسا (17) برأس (18) ..
فلينظر العاقل الى هذا الكلام الذي اعترف به عمر على نفسه ، وشهد عليه به (19) ولده . ونقل عنه مسلم (20) والبخاري (21) في صحيحيهما أنه احدث بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ما يودّ (22) أن إسلامه وجميع أعماله مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسقط بسقوط (23) ما أحدثه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأسا برأس ، فقد تمنّى أنه لم يكن أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم يكن أحدث ما أحدث ، وعلم أن عقاب الكفّار الذين لم يسلموا أهون من عقابه .
ويؤكّد هذا ما رواه عنه (24) صاحب الجمع بين الصحيحين من مسند عبد الله ابن العباس أنه : لماّ طُعن عمر بن الخطاب كان يتألم ، فقال له عبد الله بن العباس : ولا كل هذا ؟ فقال عمر بعد كلامه (25) : .. تالله ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك .. والله لو أن لي ملأ (26) الأرض ذهبا لأفتديت به من عذاب الله قبل أن أراه (27) .
مع أنهم رووا أنه : « ما من محتضر يحتضر إلاّ يرى مقعده من الجنة أو (28) النار (29) » ، وأن هذا اعتراف منه حين (30) رأى مقعده من النار (31) ، وأنّ (32) ذلك بسبب ظلمه (33) في بني هاشم وغصبه حقّهم ، وقد حقّ عليه قوله تعالى : ( و لو أنّ للّذين ظلموا ما في الأرض جميعا و مثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة ) (34) .
وروى أبو نعيم الحافظ ـ من أعيان علماء السنّة ـ في كتاب (35) حلية الأولياء (36) أنه (37) : لما احتضر عمر (38) قال : ليتني كنت كبشا لقومي ، ثم (39) سمّنوني ما بدا لهم ، ثمّ جاءهم أحب قومهم فذبّحوني فجعلوا (40) نصفي شواءً ونصفي قديدا ، فأكلوني .. فأكون عذرةً ولا أكون بشرا ! (41) .
فقد حقّ عليه (42) قوله تعالى : ( ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا ) (43) .
وروي عن أبي بكر أنه قال ـ عند احتضاره ـ : ليت اُمي لم تلدني ، ليتني كنت تبنة (44) في لبنة ؛ ليتني (45) تركت بيت فاطمة لم أكشفه (46) .
.. وكل ذلك لما رأى مقعده من النار عند احتضاره (47) .
قال الرجل الكتابي (48) الذي هداه الله الى الإسلام : والعجب ما هو منهم (49) ، لكن العجب ممّن (50) يروي عنهم (51) مثل هذه الأخبار .. ثمّ يتولاّهم ويجعلهم واسطة بينه وبين ربّه تعالى (52) .. ! فترى ما (53) يكون عذرهم عند ربّهم ؟! ..
( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبعوا من الَّذينَ اتَّبعوا
وَرَأَوُاْ العَذابَ وَ تَقَطَّعتْ بِهِمُ الأَسْبابُ ) (54) ؟!!
____________
(1) لا توجد كلمة : فصل ، في نسخة (ر) .
(2) في نسخة (ر) : ابن عامر ، وفي نسخة ( ألف ) أبو عامر ، وفي البخاري : حدثني أبو بردة بن أبي موسى الاشعري .
(3) في الطبعة الحجرية ونسخة (ر) و ( ألف ) : أبوك لأبي .
(4) في البخاري : فإن .. وهو الظاهر .
(5) كذا في المصدر ونسخة (ر) ، وفي سائر النسخ : تشك أن ..
(6) في الطبعة الحجرية والبخاري : وعملنا كله معه ، ولا يوجد في نسخة ( ألف ) .
(7) في نسخة (ر) : ما ، بدلا من : عمل .
(8) من قوله : فإن كان .. الى هنا لا يوجد في مطبوع الكتاب ونسخة ( ألف ) .
(9) في نسخة (ر) والبخاري : كفافا ، بدلا من : معه كفافا بكفاف و..
(10) لا توجد الواو في صحيح البخاري ، وهو الظاهر .
(11) في البخاري : فقال أبي : لا والله قد جاهدنا بعد ..
(12) لا توجد كلمة : وصلّينا معه .. في نسخة (ر) ، كما لا توجد : معه ، في نسخة ( ألف ) .
(13) في نسخة (ر) : أيدنا ، وفي البخاري : أيدينا بشر .
(14) في نسخة (ر) : فإن كان .. بدلا من : وأنا أرجو ذلك ، ولا توجد كلمة : أرجو ، في نسخة ( ألف ) . وفي البخاري : وأنا لنرجوا ذلك . فقال أبي : لكني أنا ـ والذي نفس عمر بيده ـ لوددت أن ذلك يرد لنا ، وإن كل شيء عملناه بعد سجونا منه .
(15) لا توجد كلمة : عمل ، في نسخة (ر) .
(16) لا يوجد في البخاري : بكفاف و .
(17) في نسخة (ر) : نجونا كفافا رأسا ..
(18) صحيح البخاري : 4|261 ، مسند أبي موسى الأشعري ، عنه سنن البيهقي : 6|359 ، كنز العمال : 12|630 حديث 35917 ، حياة الصحابة للكاندهولي : 2|279 مع تفاوت ، فتح الباري : 7|299 ، جامع الأصول : 12|363 حديث 9438 ، وفيه : والذي نفس عمر بيده لوددت أنّ ذلك يردّ لنا .. الى أن قال : والله إن أباك كان خيرا من أبي .. ومثله في صحيح البخاري كتاب الجنائز حديث : 1305 .
(19) لا توجد : به ، في الطبعة الحجرية ، ونسخة ( ألف ) .
(20) صحيح مسلم : كتاب الزكاة حديث 1746 .
(21) صحيح البخاري : كتاب الأحكام حديث 6678 . وانظر : مسند أحمد بن حنبل ، مسند العشرة المبشرين بالجنة حديث 304 من المجلد الأول ، وباقي مسند الأنصار حديث 25197 .
(22) في نسخة (ر) : يؤدي .
(23) لا توجد كلمة : بسقوط .. في الطبعة الحجرية .
(24) لا توجد : عنه ، في نسخة (ر) .
(25) قوله : بعد كلامه ، لا يوجد في نسخة (ر) ، وفي نسخة ( ألف ) : بعد كلام .
(26) في نسخة ( ألف ) : طلاع .. بدلا من : ملأ .
(27) صحيح البخاري : 3|32 ، حلية الأولياء : 1|52 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 12|191 ـ 192 .
(28) في نسخة ( ألف ) واو بدلا من : أو .
(29) لم أحصل عل مصدره في كتب العامة في هذه العجالة ، وجاء في مصادرنا كثيرا ، لاحظ : الكافي 1|64 ، 65 ، 66 ، وبحار الأنوار 6|137 حديث 56 و 261 حديث 103 ، وصفحة : 266 حديث 114 وغيرها .
(30) في نسخة (ر) : من عمر لماّ .. بدلا من : منه حين ، ولا توجد : أن .. حين ، في نسخة ( ألف ) .
(31) من قوله : وأنّ .. الى هنا لا يوجد في الطبعة الحجرية .
(32) لا توجد : أنّ ، في نسخة (ر) .
(33) في مطبوع الكتاب ونسخة ( ألف ) : فعله .
(34) سورة الزمر (39) : 47 .
(35) في نسخة (ر) : كتابه .
(36) حلية الأولياء : 1|52 باختلاف نقلنا مهمّه .
(37) لا توجد : أنه ، في الطبعة الحجرية .
(38) لا توجد كلمة : عمر ، في نسخة ( ألف ) .
(39) كلمة : ثم ، مزيدة في نسخة (ر) . وفي المصدر : كبش أهلي يسمنوني .
(40) في نسخة ( ألف ) : فخلوا .
(41) وانظر : منهاج السنة لابن تيمية : 3|131 وغيره . وما حكاه الأصفهاني في حلية الأولياء 3|355 عن حال احتضار الثاني وكذا في 1|52 .
(42) لا توجد : عليه في الطبعة الحجرية .
(43) سورة النبأ (78) : 40 .
(44) في نسخة ( ألف ) : طينة .
(45) كلمة : ليتني ، مزيدة في نسخة (ر) .
(46) لاحظه في : تاريخ الطبري : 3|430 ، الرياض النضرة : 1|134 ، منهاج السنّة : 3|120 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 2|46 ، 6|51 ، السقيفة : 73 ، المعجم الكبير للطبراني : 1|62 ، الإمامة والسياسة : 1|24 ، تاريخ اليعقوبي : 2|137 ، وغيرها .
(47) لا توجد كلمة : عند احتضاره ، في نسخة (ر) .
ومن ينقّب التاريخ في حالات المحتضرين ينكشف له من مقالتهم حين الموت نواياهم ، ولأنهم يرون ثمرة أعمالهم في الدنيا قبل رحيلهم الى الآخرة ، ولأجل ذلك نرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول حين الموت : «الى الرفيق الأعلى » ، ويقول عليّ عليه السلام : « فزت ورب الكعبة » .. وغير ذلك .
اُنظر : تاريخ دمشق ( ترجمة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام ) : 1|367 ، اُسد الغابة : 4|38 .
(48) لا توجد كلمة : الرجل الكتابي ، في نسخة (ر) .
(49) كذا ، والظاهر : وما العجب منهم ! ، وال توجد الواو في نسخة (ر) .
(50) في نسخة (ر) : لمن .
(51) لا توجد : عنهم ، في نسخة (ر) هنا ، وجاءت بعد كلمة : الأخبار .. والمعنى واحد .
(52) لا توجد كلمة : تعالى ، في الطبعة الحجرية .
(53) في نسخة (ر) : ما عذره يوم تبرّا الذين .. الى آخره ، بدل الجملة السالفة ، وفي نسخة ( ألف ) : ما عذره يوم ..
(54) سورة البقرة (2) : 166 .
في علة مخالفة القوم من الحق
- الزيارات: 4394