بـديـهـي ان النوع الانساني لا يستثنى عن هذه الهداية التكوينية التي تهيمن على جميع الكائنات في الـعالم , انها تسيطر على الانسان ايضا, وبما ان كل كائن يستمر في طريقه نحو التكامل بما لديه من قدرة وقابلية , فكذلك الانسان يساق نحو الكمال الواقعي بواسطة الهداية التكوينية .
قد يشترك الانسان في كثير من صفاته ومميزاته مع سائر انواع الكائنات الحية من حيوان او نبات , لكنه يتميز بخصيصة خاصة به , تجعله يمتاز عن غيره , الا وهو العقل .
فالعقل يدعو الانسان الى التفكر والتدبر, وان ينتفع من كل وسيلة ممكنة ,لتحقق اهدافه واغراضه , فهو يعرج الى السما حينا, فيسير في الفضا اللامتناهي ,ويغوص في اعماق البحار احيانا, فهو يداب فـي اسـتثمار انواع الحيوان والنبات والجمادعلى ظهر البسيطة , وقد يتجاوز هذا الحد بان يتجه الى استثمار بني نوعه .
والانـسـان حـسـب طبعه الاولي , يرى حريته المطلقة في سعادته وكماله , وبما ان وجوده وجود اجـتـمـاعـي , ومتطلباته في الحياة متعددة , والتي لاينالها لوحده وبنفسه فحسب , بل بالتعاون مع ابنا نوعه وهم يتصفون بالغرائز ذاتها, بما فيها حب الذات والحرية , اذ تفرض عليه طبيعة المجتمع ان يضحي بقسط من حريته في هذا السبيل قبال المنافع التي يحصل عليها من الاخرين , فهو يقدم خدمة , ويـنـتـفـع بـمـا يـقدمه الاخرون من خدمات , اي انه يتقبل الحياة الاجتماعية التي تتصف بالتعاون , باكراه وفرض .
وهـذه الـحقيقة تظهر جلية لدى الاطفال والفتيان , اذ انهم في البداية , يحققون ماتصبو اليه نفوسهم بـالـفـرض تارة والبكا تارة اخرى فهم يرفضون كل قانون او عادة او ماشاكل ذلك , ولكن على مر الـزمـان , وحسب تطورهم الفكري يدركون ان الحياة لا تتلائم مع الفرض والطغيان , فيمارسون ما يمارسه الفرد في المجتمع بشكل تدريجي , حتى يصلوا الى ما يصل اليه الفرد في مجتمعه , من اتباع العادات والسنن والقانون , وبالتالي يصبحون وهم يالفون المجتمع .
والانسان بعد تقبله الحياة الاجتماعية التي قوامها التعاون , يرى ضرورة القانون الحاكم على الحياة , وهـو الـذي يعين واجبات كل فرد من افراد المجتمع , ويضع الجزالكل من يخالف القانون , فاذا عم القانون وساد المجتمع , عندئذ ينال كل من افرادالمجتمع السعادة المطلوبة , التي طالما تمناها.
هـذا الـقـانـون هو القانون العملي الذي ما برح البشر منذ نشاته والى يومنا هذايرجوه ويرغب في الـوصـول الـيه , وطالما كان يستهل به اهدافه واغراضه , ويسعى في تحققه , ومن الطبيعي اذا كان الامر يستحيل تحققه على البشرية , ولم يكن مفروضاعليها, لما كانت تهدف اليه دوما.
واللّه جـل شـانه يشير الى حقيقة المجتمع البشري بقوله : ((نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا)).
وقـد اشـار الـذكر الحكيم الى حب النفس والانانية بقوله تعالى : ((ان الانسان خلق هلوعا اذا مسه الشر جزوعا واذا مسه الخير منوعا)).
الهداية الخاصة
- الزيارات: 2973