من بين صحابة النبي الاكرم (ص ) (وقد جا ذكر ما يقارب من اثنى عشر الفامنهم في كتب الرجال ) يـنـفـرد الامام على (ع ) ببيانه البليغ عن حقائق العرفان , ومراحل الحياة المعنوية , اذ يحتوي على ذخائر جمة , ولم نجد مثيله في الاثار التي بايدينا من بقية الصحابة , واشهر اصحاب الامام علي (ع ) وتـلاميذه ((سلمان الفارسي )) و ((اويس القرني )) و ((كميل بن زياد)) و ((رشيد الهجري )) و ((ميثم التمار)) و العرفانيون عامة في الاسلام يجعلون هؤلا ائمة وهداة لهم .
وهـنـاك طائفة اخرى تاتي في الدرجة الثانية , وهم ((طاووس اليماني )) و ((مالك بن دينار)) و ((ابراهيم الادهم )) و ((شقيق البلخي )) الذين ظهروا في القرن الثاني الهجري ,وكانوا يعرفون بـالـزهـاد واولـيـا اللّه الصالحين , دون ان يتظاهروا بالعرفان والتصوف ,وعلى اية حال , فانهم لم ينكروا ارتباطهم ومدى تاثرهم بالطائفة الاولى .
وهـنـاك طـائفـة ثـالـثة ظهرت في اواخر القرن الثاني واوائل القرن الثالث للهجرة مثل ((بايزيد الـبـسـطـانـي )) و ((المعروف الكرخي )) و ((جنيد البغدادي )) وغيرهم , الذين سلكوا طريق العرفان , وتظاهروا بالعرفان والتصوف , ولهم اقوال تدل على مدى المكاشفة والمشاهدة لديهم , وان كانت هذه الاقوال تتصف بظاهرها اللاذع , الا انها قداثارت عليهم الفقها والمتكلمين في دلك العصر, وسـبـبـت الـمـشاكل والفتن فادت الى ان يزج ببعضهم في السجون ويقدم بعضهم الاخر الى اعواد المشانق .
مـع هذا الوصف , ابدوا التعصب لطريقتهم امام المخالفين , فبهذا كانت الطريقة تتسع وتنتشر يوما بعد يوم , ونجدها قد وصلت الى ذروتها في القدرة والانتشار, في القرنين السابع والثامن الهجريين , حيث كـانـت تتسم بالرفعة والعلو تارة , والسقوطوالانحطاط تارة اخرى , ولا تزال تمارس حياتها حتى اليوم .
والـظاهر ان اكثر مشايخ العرفان الذين جا ذكرهم في كتب العرفان , كانوا على مذهب اهل التسنن , والـطـريقة التي نشاهدها اليوم (والتي تشتمل على مجموعة من عادات وتقاليد, لم نجد في الكتاب والسنة اساسا لها) تذكرنا بتلك الايام , وان كان بعض من تلك العادات والتقاليد انتقلت الى الشيعة .
وكـما يقال , ان هؤلا كانوا يعتقدون ان الاسلام يعوزه منهج للسير والسلوك ,والمسلمون استطاعوا ان يـصـلـوا الـى طريقة معرفة النفس , وهي مقبولة لدى الباري عزوجل , مثل ما في الرهبانية عند المسيحيين , اذ لم يوجد اساس له في الدعوة المسيحية , فاوجدها النصارى وحبذها جمع وانتهجها.
ويـستنتج مما ذكر, ان كلا من مشايخ الطريقة , جعل كل ما رآه صلاحا من عادات وتقاليد, في منهج سيره وسلوكه وامر متبعيه بذلك , وبمرور الزمن اصبح منهاجاوسيعا مستقلا, مثل مراسم الخصوع والـخشوع , وتلقين الذكر والخرقة والاستفادة من الموسيقى والغنا عند اقامة مراسم الذكر, حتى آل الامـر فـي بعض الفرق منها الى ان تجعل الشريعة في جانب , والطريقة في جانب آخر, والتحق مـتـبـعو هذه الطريقة بنهج الباطنية , ولكن المعايير للنظرية الشيعية , استنادا على مصادر اساسية لـلاسـلام (الـكـتـاب والسنة ) تقر خلاف ذلك , ومن المستحيل ان النصوص الدينية قد تغافلت عن هذه الحقيقة , او انها اهملت جانبا من جوانب هذا النهج والطريق , ويستحيل عليها ايضا ان تغض النظر عن شخص (اي كان ) من واجبات او محرمات .
ظهور العرفان في الاسلام
- الزيارات: 2827