• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مِن عقائدنا: المهدي(عليه السلام)

 

مِن عقائدنا: المهدي(عليه السلام)

 

ما رأيت كاتباً كتب عن الشيعة إلاّ واتخذ من عقيدتهم بالمهدي وسيلة للسخرية والتهريج، ووضع للفكرة حواشي ورتّب عليها لوازم، وأشرع سلاحه، وتفيهق([1]) بكلامه وصال وجال، كأنّه اكتشف كشفاً ضخماً، وأنّه وحده العبقري وأنّ الآخرين بلهاء، ولنرَ مِن أين جاءت فكرة المهدي؟ وهل أخذها الشيعة من مصدر ديني سليم أو لا؟ وهكذا نمشي مع الفكرة .

إنّ الذين كتبوا عن المهدي ربطوا مصدر هذه الفكرة بأمرين:

أحدهما: الفكر الوضعي.

والآخر: العقيدة الدينية.

والذين ربطوا العقيدة بالفكر الوضعي انقسموا أيضاً . وسنذكر أقوالهم حسب الشقّ الذي مالوا إليه ورجّحوا أنّه المصدر لهذه الفكرة:

 

1 ـ الشقّ الأوّل:

الذين ربطوا فكرة الإمام المهدي بالفكر الوضعي في بُعده النفسي، يرون أنّ عقيدة المهدوية ليست وقفاً على الفكر الشيعي، ولا على المسلمين فقط، بل ولا على الديانات السماوية كلّها، إنّما هي على مستوى الشعوب، ذلك أنّ العامل المشترك بين كلّ هذه الفئات هو عامل نفسي موحِد، وهو الشعور بوضعية غير عادلة من حكم قائم بالفعل، وخزين متراكم من حكّام سابقين عاشوا مع شعوبهم على شكل قاهر ومقهور، ومتسلّط ومسحوق، ورزحوا تحت نير الظلم والطغيان .

ولذا كانت هذه العقيدة عند الشعوب الشرقية ونظائرها ممّن يشترك مع الشعوب الشرقية بأنـّه مسحوق، وحيث إنّ بعض هذه الشعوب عنده عقيدة دينية تبشّر بالمهدي أيضاً، فإنّ هذه العقيدة مهمتها تدعيم هذا العامل النفسي، وخلق لون من المشروعية لهذه النزعة في نفوس الناس، وهذا هو المعنى الذي عبّر عنه برتراند رسل، بقوله:

ليس السبب في تصديق كثير من المعتقدات الدينية الاستناد إلى دليل قائم على صحّة واقع، كما هو الحال في العلم، ولكنّه الشعور بالراحة المستمدّ من التصديق، فإذا كان الإيمان بقضية معينة يحقق رغباتي، فأنا أتمنّى أن تكون هذه القضية صحيحة، وبالتالي فأعتقد بصحتها([2]) .

إذاً فالقدر الجامع بناءً على هذا هو الأمل بظهور مخلّص من واقع سيّئ تعيشه الجماعة، وفي ذلك يقول الدكتور أحمد محمود:

إنّ الاعتقاد بظهور مسيح أو انتظار رجعة مخلّص، وليد العقل الجمعي في مجتمعات تفكّر تفكيراً ثيوقراطياً في شؤونها السياسية، وبين شعوب قاست الظلم ورزحت تحت نير الطغيان، سواء من حكامهم أم من غزاة أجانب، فإزاء استبداد الحاكم وفي ظلّ التفكير الديني تتعلّق الآمال بقيام مخلّص، أو محرّر يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً([3]) .

فهذه العقيدة بالرغم من وجود مصادر دينية لها عند المسلمين واليهود والمسيحيين، إلاّ أنّ هذه المصادر ليست هي العامل الأساسي في نظر هؤلاء بالاعتقاد بها، وإنّما تلعب دوراً ] مسوغاً[ ثانوياً، ويرى الدكتور أحمد محمود أنّ عقيدة السنّة بالصبر على الظالم وعدم الخروج عليه عمّقت نزعة المهدي، وتركت الوسط الديني السنّي الذي يعتقد بموضوع المهدي يعيش بين عامل الألم من الواقع الفاسد الذي عاشه أيام الاُمويين وما تلاها من عصور، وبين ضرورة الخلاص، فمال إلى الخلاص في المدى الأبعد الذي وجده في عقيدة المهدي، وقد حاول إشراك الشيعة في ذلك باعتبارهم صابرين على الظلم، حيث قال:

إنّ هذه العقيدة لا يؤمن بها إلاّ اُولئك الذين يعانون صراعاً نفسياً نتيجة السخط على تصرّفات الحكام وعدم استحقاقهم لقب الخلافة لفسقهم، ونتيجة خضوعهم من ناحية ثانية للأمر الواقع، أما خشية الفتنة كما هو عند السنّة الذين لا يرون الخروج على أئمّة الجور استناداً إلى أدلة عندهم، أو نتيجة للتخاذل بسبب فشل كثير من الحركات الثورية، كما هو عند الشيعة الذين يرون الصبر على الخلفاء تقيّة، فعقيدة المهدي مخرج لهذا الصراع، أما الفِرَق التي تجعل من اُصول مبادئها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالسيف، كالخوارج والزيدية، فإنّ هذه العقيدة عندهم غير ذات موضوع . . . إلى أن قال : ولذا لا تبلغ أهمية المهدي عند فرقة من الفرق كما تبلغ عند الشيعة الاثني عشرية الذين يتطرّف حكمهم على الخلفاء من ناحية، كما يتطرّف تحريمهم الخروج على الخلفاء من
ناحية اُخرى([4]) .

هذا ملخّص ما قاله الدكتور أحمد محمود، ولنا على مضامين هذا الفصل الملاحظات التالية:

الملاحظة الاُولى: أنّ هذا خلط بين السبب وبعض نتائجه; ذلك لأنّ الشعوب المرتبطة بدين معيّن تُربط مظاهرها العقائدية بدينها في الجملة، فإذا لم يوجد مصدر ديني لذلك المظهر يبحث عندئذ عن سببه الآخر، ولا شكّ أنّ الأديان الثلاثة بشّرت بفكرة المخلّص، وهو إمّا واحد للجميع يوحّد به الله تعالى الأديان في الخلاص من الظلم، أو متعدد لكلّ اُمّة من الاُمم مهديها، والهدف منه ومن التبشير به أن يوضع أمام كلّ اُمّة مَثَلُ أعلى يجسِّد فكرة العدل، ولتكون الشعوب على تماس مباشر مع الفكرة الخيّرة والمثل الأعلى كما هو متصوّر، فالأصل في فكرة المهدي النصوص الدينية، وساعد على ترسيخها في النفوس ارتياح النفوس إليها، خصوصاً إذا لم تَقوَ على تجسيد العدل لسبب ما . ولكنّها إذْ تتخذ من فكرة المهدي وسيلة تعويضية تمسخ الغرض الأصلي من فكرة المهدي، وهو أن تكون حافزاً يدفع الناس إلى السعي إلى دفع الظلم وفكرة قيام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خصوصاً إذا كانت النصوص الدينية قائمة في تحميل الإنسان مسؤولية الدفاع عن نفسه وعن مقدساته، بغضّ النظر عن قيام المهدي وعدمه، كما هو واقع التعاليم الدينية، فلا ينبغي أن تتحوّل فكرة الإمام المهدي من نصب مَثَل أعلى لاستشعار سبل ومناهج الحياة الكريمة، إلى مخدّر يميت في النفوس نزعات التطلع وثبات الرجولة، أو من محفّز إلى منوّم.

الملاحظة الثانية: أنّ إشراك الشيعة مع السنّة بأنـّهم لا ينهضون ضدّ الظالم تقيّةً مغالطة صريحة; وذلك لأنّ عامل صبر السنّة على الظلم عامل اختياري نتيجة تمسّك بأحاديث يرون صحتها، في حين أنّ صبر الشيعة على الظلم نتيجة عامل قهري; لعدم وجود قدرة ووسيلة للنهضة، وهذا عامل عام عند كل الناس، أما لو وجدت عوامل النهضة فلا ينتظر الشيعة خروج المهدي ليصلح لهم الأمر، بدليل أنّ حكم الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر بشروطهما قائم عندهم فعلا، وكذلك الجهاد بكلّ أقسامه بوجود نائب الإمام الخاص أو العام في رأي بعضهم قائم بالفعل، أمّا دفاع الظالم عن النفس والمقدسات فلا يشترط فيه وجود إمام أو نائبه على رأي جمهور فقهاء الشيعة، لأنـّه دفاع عن النفس ويتعين القيام به في كلّ وقت من الأوقات([5]) .

إنّ الرجوع إلى تاريخ الشيعة يشكّل أدلة قائمة على ما ذكرناه، لكثرة ثوراتهم على الباطل في مختلف العصور، والجهاد مع باقي فرق المسلمين في ساحات الجهاد ضد الكفر والظلم، ولست بحاجة للإطالة بذلك، لوضوحه .

الملاحظة الثالثة: لا ينهض اشتراك الشعوب في عقيدة المهدي دليلا على وحدة العامل، لأنـّنا نرى كثيراً من المظاهر السلوكية، سواء كانت مظاهر دينية أم لا تشترك بها شعوب دون أن تصدر عن علّة واحدة . خذ مثلا ظاهرة تقديم القرابين، فهي عند معتنقي الأديان السماوية شعيرة أمر بها الدين بهدف التوسعة على الفقراء والمعوزين، في حين نجدها عند بعض الشعوب بهدف اتِّقاء سخط الآلهة، وعند البعض الآخر لطرد الأرواح الشرّيرة، وعند البعض الآخر تقدم الضحايا من البشر بهدف استدرار الخير، كما هو عند قدماء المصريين، فلم تكن العلّة واحدة عند الشعوب كماترى، إذاً فمن الممكن أن تكون فكرة الإمام المهدي ليست عملية تعويض أو تنفيس، وإنّما هي فكرة تستهدف وضع نصب يظلُّ شاخصاً دائماً يذكّر الناس بأنّ الظالم قد يُمهل ولكنّه لا يُهمل، لأنّ الناس إذا تقاعسوا عن طلب حقوقهم فإنّ السماء لا تسكت، بل لابدّ من الانتقام على يد مخلّص .

مع ملاحظة أنّ الأصل في مثل هذه الحالات أن يتصدى الناس، لتقويم الاعوجاج; ولذلكَ يقول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْم حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)([6]) . فإذا غلب عليهم التخاذل فإنّ الله تعالى لا يهمل أمر عباده، ولذلك تشير الآية الكريمة وهي قوله تعالى:(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُـجْرِمِينَ)([7]) . وقد حام المفسّرون حول هذا المعنى الذي ذكرناه عند تفسيرهم للآية المذكورة([8])، وذكروا أنّ السماء تتدخّل عندما يطول البلاء وتشتدّ الحالة، ويهلع الناس إلى حدِّ اليأس .

 

2 ـ الشق الثاني:

الذين ربطوا فكرة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه بالأخذ التقليدي .

وقالوا: إنّها عبارة عن اقتباس أخذه المسلمون عن بعض الشعوب من دون أن يكون هناك عامل شعوري مشترك، وسواء اُخذت هذه العقيدة من هذا الشعب أوذاك، فإنّ جولد تسيهر، وفان فلوتن المستشرقان قالا: إنَّها مقتبسة من اليهود بشكل وبآخر، ويؤكد فان فلوتن أنّها جاءت من تنبّؤات كعب الأحبار ووهب بن منبه، فهي من الأفكار الإسرائيلية التي نشرت بين المسلمين([9]) . في حين يذهب أحمدالكسروي إلى أنّها مقتبسة من الفرس، حيث يقول:

لا يخفى أنّ قدماء الفرس كانوا يعتقدون بإله خير يسمّى ] يزدان[، وإله شرّ يسمى أهريمن، ويزعمون أنّهما لا يزالان يحكمان الأرض حتّى يقوم ساوشيانت ابن زرادشت النبيّ، فيغلب أهريمن ويصير العالم مهداً للخير . وقد تأصّل عندهم هذا المعتقد، فلما ظهر الإسلام وفتح المسلمون العراق وإيران واختلطوا بالإيرانيين سرى ذلك المعتقد منهم إلى المسلمين ونشأ بينهم بسرعة غريبة، ولسنا على بيّنة من أمر كلمة المهدي، مَنْ وضعها؟ ومتى وضعت؟ إنتهى بتلخيص([10]) .

إنّ هذا الرأي لا يستحق المناقشة في الواقع لأسباب كثيرة .

منها: افتراضه تساهل المسلمين بحيث يعتقدون باُمور لا يعرفون مصدرها .

ومنها: عدم وجود صلة بين فكرة إلهَي خير وشرّ وفكرة مخلّص .

ومنها: أنّ حجم مسألة المهدوية ليس بهذه البساطة، فالفكرة من الفِكَرِ الكبيرة الحجم بالعقيدة الدينية .

 

3 ـ الشق الثالث:

ربط فكرة المهدي بالفكر الوضعي في بُعدهِ السياسي .

ويقول أصحاب هذه الفكرة: إنّ فكرة المهدي اخترعها بعض الحكّام الذين حكموا ولم تتوفّر فيهم صفات يفترضها المسلمون في الحاكم، فافترضوا أنّ هناك إماماً غائباً محرّراً سيظهر بعد ذلك، وقد عهد إليهم بالقيام بالحكم إلى أن يظهر، وقالوا: إنّ المختار الثقفي ممّن سلك هذا الطريق، وادّعى أنّه منصوب من قبل المهدي من آل محمّد، وممّن أكّد هذا الرأي المستشرق وات([11])، وهذا الرأي يضع الأثر مكان المؤثر، فإنّ الذين اتخذوا من فكرة المهدي سنداً لهم على فرض وجودهم بهذه الكثرة، لابدَّ أن تكون فكرة المهدي شائعة عند الناس قبل مجيئهم، فاستفادوا منها وركبوا ظهر العقيدة، على أنّ نسبة هذا الرأي للمختار باعتباره جزءاً من العقيدة الكيسانية فنّده كثير من المحققين، وحتّى مع فرض صحته يبقى متأخراً عن وجود عقيدة المهدي كما ذكرنا . وليس للمختار تلك المكانة الكبيرة عند فرق المسلمين حتّى يأخذوا عنه، ويتأثروا بآرائه مع التفات المسلمين لهدفه .

 

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] . في الخبر: «إنّ أبغضكم إليّ المتفيهقون المتشدّقون»، وأصله الفَهَقُ وهو الامتلاء كأنّه ملأ به شدقه، وهو رفع الصوت بالكلام وقلّة الاستحياء. مجمع البحرين: 5/231 مادة (فهوق).

            وفي الحديث: «إنّ أبغضكم إليّ الثرثارون المتفيهقون، قيل: يا رسول الله، وما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون. لسان العرب: 10/342 مادة (فهق).

[2] . نظرية الإمامة : 420 .

[3] . نفس المصدر السابق: 399 .

[4] . نظرية الإمامة : 127 .

[5] . شرح اللمعة للشهيد الثاني : 2/381 ، وكنز العرفان للمقداد : 1/342 .

[6] . الرعد : 12 .

[7] . يوسف : 110 .

[8] . صفوة البيان لمخلوق: 1/397 ، ومجمع البيان للطبرسي: 3/271.

[9] . نظرية الإِمامة : 399 .

[10] . التشيّع والشيعة : 35 .

[11] . تاريخ الإمامية وأسلافهم : 165 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page