خلقه الخفاش
من خطبه له يذكر فيها خلقه الخفاش:
و من لطائف صنعته و عجائب حكمته ما ارانا من غوامض الحكمه فى هذه الخفافيش التى يقبضها الضياء الباسط لكل شى ء، و يبسطها الظلام القابض لكل حى، و كيف عشيت اعينها عن ان تستمد من الشمس المضيئه نورا تهتدى به فى مذاهبها و تصل بعلانيه برهان الشمس الى معارفها، و ردعها تلالو ضيائها عن المضى فى سبحات اشراقها
[سبحات النور: درجاته و اطواره.] و اكنها فى مكامنها عن الذهاب فى بلج ائتلاقها
[البلج: الضوء و وضوحه. الائتلاق: اللمعان الشديد.] فهى مسدله الجفون بالنهار على احداقها، و جاعله الليل سراجا تستدل به فى التماس ارزاقها، فلا يرد ابصارها اسداف ظلمته
[اسدف الليل: اظلم.]، و لا تمتنع من المضى فيه لغسق دجنته.
[الدجنه: الظلمه.] فاذا القت الشمس قناعها و بدت اوضاح نهارها، و دخل من اشراق نورها على الضباب
[الضباب، جمع ضب و هو الحيوان المعروف.] فى وجارها، اطبقت الاجفان على مآقيها و تبلغت
[تبلغت: اكتفت او اقتاتت.] بما اكتسبت من فى ء ظلم لياليها. فسبحان من جعل الليل لها نهارا
و معاشا، و النهار سكنا و قرارا، و جعل لها اجنحه من لحمها تعرج بها عند الحاجه الى الطيران كانها شظايا الاذان
[شظايا، جمع شظيه، و هى: الفلقه من الشى ء، اى: كانها مولفه من شقق الاذان.] غير ذوات ريش و لا قصب، الا انك ترى مواضع العروق بينه اعلاما
[رسوما ظاهره.] لها جناحان لما يرقا فينشقا و لم يغلظا فيثقلا، تطير و ولدها لاصق بها لاجى ء اليها: يقع اذا وقعت و يرتفع اذا ارتفعت، لا يفارقها حتى تشتد اركانه و يحمله جناحه و يعرف مذاهب عيشه و مصالح نفسه. فسبحان البارى لكل شى ء على غير مثال خلا من غيره!
