طباعة

مبرّرات الشفاعة : ب ـ سعة رحمته لكل شيء

إنّ التدبّر في الآيات القرآنية يعطي أنّ رحمة الله سبحانه واسعة تسع كلّ الناس، إلاّ من بلغ حداً لا يقبل التطهّر ولا الغفران. قال سبحانه حاكياً عن حملة العرش: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربّهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربّنا وسعت كلّ شيء رحمة وعلماً فاغفر للّذين تابوا واتّبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم} (غافر/7) نرى أنّ حملة العرش يدللون طلب غفرانه سبحانه للتائبين والتابعين لسبيله، بكون رحمته واسعة وسعت كل شيء.
كما نرى أنّه سبحانه يأمر نبيّه أن يواجه الناس كلّهم ـ حتى المكذّبين لرسالته ـ بقوله: {فإن كذّبوك فقل ربّكم ذو رحمة واسعة} (الأنعام/147) ونرى في آية ثالثة يعد الذين يجتنبون الكبائر بالرحمة والمغفرة ويقول: {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلاّ اللَّمَمَ إنّ ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم} (النجم/32) وهذه الآيات توضح مضامين الأدعية الإسلامية من قوله (عليه السلام): " يا من سبقت رحمتُه غضبَه ".
كيف لا! ونحن نرى أنّ الله سبحانه يعد القانط من رحمة الله والآيس من روحه كافراً وضالاّ، ويقول: {ولا تيأسوا من روح الله إنّه لا ييأس من روح الله إلاّ القوم الكافرون} (يوسف/87)، ويقول تعالى أيضاً: {ومن يقنط من رحمة ربّه إلاّ الضالّون} (الحجر/56)، ويقول سبحانه: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذنوب جميعاً إنّه هو الغفور الرحيم} (الزمر/53).
فإذا عرَّفَنا القرآن أنّ الله سبحانه ذو رحمة واسعة تفيض على كل شيء، فعند ذلك لا مانع من أن تفيض رحمته وغفرانه عن طريق أنبيائه ورسله وأوليائه، فيقبل أدعيتهم في حقّ عباده بدافع أنّه سبحانه ذو رحمة واسعة، كما لا مانع أن يعتقد العصاة في شرائط خاصة بغفرانه سبحانه من طرق كثيرة لأجل أنّه عدّ القانط ظالاّ والآيس كافراً.
وإجمالا: فكما يجب على المربّي الديني أن يذكّر عباد الله بعقوبته وعذابه وما أعدّ للعصاة والكفّار من سلاسل ونيران، يجب عليه أيضاً أن يذكّرهم برحمته الواسعة ومغفرته العامة التي تشمل كل شيء، إلاّ من بلغ من الخبث والرداءة درجة لا يقبل معها التطهير كما قال سبحانه: {إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (النساء/48).