• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عليّ (عليه السلام) في معركة الخندق

ج ـ عليّ (عليه السلام) في معركة الخندق
تمثّل أمام قريش الفشل في القضاء على المسلمين حقيقة واضحة، ولكنّها الجاهلية والعناد والإصرار على الكفر، فعادت قريش تتهيّأ مرةً اُخرى لتوجيه الضربة القاضية للمسلمين، وذلك بالتحالف مع القبائل الجاهلية الاُخرى واليهود أيضاً، حتى بلغ عددهم عشرة آلاف يقودها أبو سفيان[1] وازداد غيظ وحقد المشركين حين واجهوا الاُسلوب الدفاعي والتكتيك الحربي الّذي اتّخذه الرسول (صلى الله عليه وآله)بعد أن استشار أصحابه فأشار سلمان الفارسي(رضي الله عنه) بحفر الخندق، غير أنّ الاندفاع والحماس والغرور بالعدّة والعدد كان قويّاً في نفوس الأحزاب المجتمعة لقتال المسلمين والقضاء على الإسلام نهائياً وتمكّن بعض فرسان قريش من عبور الخندق من مكان ضيّق فيه، فأصبحوا هم والمسلمون على صعيد واحد، فازداد المسلمون خوفاً على خوفهم وخرج عليّ بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى أخذ عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم.
فوقف عمرو بن عبد ودّ يطلب المبارزة ويتحدّى المسلمين، وهدأت أصوات المسلمين أمام صيحاته وكأنّ على رؤوسهم الطير، كلّ يفكر في نفسه ويحسب لهذا الفارس ألف حساب.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هل يبارزه أحد ؟ فبرز إليه عليّ (عليه السلام) فقال: أنا له يارسول الله، فأجلسه النبيّ، وللمرّة الثانية والثالثة طالب عمرو المبارزة فلم يكن يجيبه إلاّ عليّ (عليه السلام) وفي كلّ مرّة كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يطلب منه الجلوس[2] ثم أذن النبيّ لعليّ بعد أن عمّمه بعمامته وقلّده بسيفه وألبسه درعه، ثمّ رفع يديه وقال: اللّهم إنّك أخذت عبيدة يوم بدر وحمزة يوم اُحد وهذا عليّ أخي وابن عمّي فلا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين[3] وبرز عليّ (عليه السلام) الى ساحة المعركة بعد أن قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): برز الإيمان كلّه الى الشرك كلّه[4].
وانحدر عليّ (عليه السلام) نحو عمرو والثقة بنصر الله تملأ قلبه، أمّا عمرو فقد كان لقاؤه مع عليّ مفاجأة له، وفي هذا الموقف تردّد عمرو في مبارزة عليّ (عليه السلام) فقال له: يا عمرو، إنّك كنت في الجاهلية تقول: لا يدعوني أحد إلى ثلاثة إلاّ قبلتها أو واحدة منها، قال: أجل.
قال عليّ (عليه السلام): فإنّي أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله وأن تسلم لربّ العالمين قال: أخّر عني هذه، قال علي (عليه السلام): أما إنّها خير لك لو أخذتها ثمّ قال: ترجع من حيث جئت، قال: لا تتحدّث نساء قريش بهذا أبداً قال عليّ (عليه السلام): تنزل تقاتلني.
فغضب عمرو عند ذلك ونزل عن فرسه وعقرها ثمّ أقبل على عليّ (عليه السلام) فتقاتلا وضربه عمرو بسيفه فاتّقاه عليّ بدرقته، فأثبت فيها السيف وأصاب رأسه، ثمّ ضربه عليّ على عاتقه فسقط الى الأرض يخور بدمه، وعندها كبّر علي (عليه السلام) وكبّر المسلمون خلفه، وانجلت الواقعة عن مصرع عمرو، وفرّ أصحابه من هول ما شاهدوه، فلحق بهم عليّ فسقط نوفل بن عبدالله في الخندق فنزل إليه علي فقتله[5].
وتلقّت الأحزاب هذه الضربة القاسية بدهشة واستغراب، لأنّها لم تكن تتوقّع أنّ أحداً يجرؤ على قتل عمرو بن عبدودّ، فدبّ الخوف في نفوسهم ولم يجسر أحد منهم على تكرار المحاولة إلاّ أنّهم بقوا محاصرين للمدينة فترة من الزمن حتى أذن الله بهزيمتهم حين استخدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) اُسلوباً آخر لمحاربتهم.

وامتاز عليّ (عليه السلام) على جميع من حضروا غزوة الخندق باُمور:
1 ـ مبادرته لحماية الثغرة التي عبر منها عمرو وأصحابه، والتي تدلّ على الحزم والإقدام في مواجهة الطوارئ في ساحة المعركة.
2 ـ مبارزته عَمْراً وقتله، وقد تردّد المسلمون في مبارزته فلم يخرج إليه أحد، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) مشيداً بموقف عليّ (عليه السلام): لمبارزة عليّ بن أبي طالب لعمرو بن عبدودّ يوم الخندق أفضل من عمل اُ مّتي الى يوم القيامة[6].
3 ـ الشجاعة والقوّة الفائقة التي ظهرت منه (عليه السلام) طوال المعركة تمثلت واضحة حينما لحق المنهزمين الذين عبروا مع عمرو بن عبدود، وهو راجل وهم فرسان.
4 ـ الأخلاق العالية التي كان يتميز بها (عليه السلام) في شتّى المواقف، مظهراً فيها عظمة الرسالة والرسول، منها أنه لم يسلب عَمْراً درعه مع أنّها من الدروع الممتازة بين دروع العرب.
5 ـ إن قتله (عليه السلام) عَمْراً ونوفلاً ولحوقه بالمنهزمين كان سبباً في إعادة الثقة للمسلمين بنفوسهم بعدما رأوا الجمع الكبير لقريش وأحلافها، وأيضاً كان سبباً لهزيمة المشركين مع ما أصابهم من الريح والبرد وسبب خوفهم من أن يعاودوا الغزو.
6 ـ الشرف الرفيع الذي ناله عليّ (عليه السلام) بشهادة الرسول حين قال (صلى الله عليه وآله) عند مبارزة عليّ (عليه السلام): برز الإيمان كلّه الى الشرك كلّه[7].

د ـ عليّ (عليه السلام) في صلح الحديبية[8] :
بعد الأحداث المتغيّرة والمؤلمة والمعارك الدامية التي خاضها النبيّ (صلى الله عليه وآله) والمسلمون مع قريش واليهود تمكّنت الرسالة الإسلاميّة أن تخطو خطوات بعيدة المدى تحقّق من خلالها للمسلمين كياناً واضحاً ووجوداً مستقلاً وقوة لابدّ من حسابها في شتى الميادين.
وكان المسلمون يشغفون شوقاً لزيارة الكعبة ويتذكّرونها كلّما وقفوا في صلاتهم متّجهين نحوها. في هذا الوقت من عمر الرسالة الإسلامية عزم النبيّ (صلى الله عليه وآله) على أداء فريضة من فرائض الإسلام بأمر من الله فقرّر الحجّ واتّخذ كلّ الإجراءات والتدابير اللازمة لمثل هذه الخطوة حتّى أعلن (صلى الله عليه وآله) مراراً أنّه لا يريد الحرب ضد قريش أو غيرها ولمّا علمت قريش بالخبر، اجتمعت كلمتهم على منعه (صلى الله عليه وآله) من دخول مكّة مهما كلّفهم ذلك من جهد وخسائر، وأرسلوا خالد بن الوليد على رأس جماعة من الفرسان ليقطع عليه الطريق.
وحين نزل النبيّ (صلى الله عليه وآله) والمسلمون منطقة الجحفة كان الماء قد نفد لديهم ولم يجدوا ماءً، فأرسل (صلى الله عليه وآله) الروايا فلم يتمكّنوا من جلب الماء لتردّدهم وخوفهم من قريش، عندها دعا (صلى الله عليه وآله) عليّاً (عليه السلام) وأرسله بالروايا لجلب الماء، وخرج السقاة وهم لا يشكّون في رجوعه لمّا رأوا من رجوع من تقدّمه، فخرج عليٌّ (عليه السلام) حتى وصل الحرار واستقى، ثمّ أقبل بها إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) ولها زَجَل، فلمّا دخل كبّر النبيّ (صلى الله عليه وآله) ودعا له بالخير[9].
ثم إن قريشاً اضطرّت النبيّ أن يعدل عن الطريق المؤدّي الى مكّة، وانحرف به رجل من أسلم الى طريق وعرة المسالك خرجوا منها الى ثنية المراد، فهبط الحديبيّة، وحاولت قريش أكثر من مرّة التحرّش بالمسلمين ومهاجمتهم بقيادة خالد بن الوليد، لكنّ عليّاً (عليه السلام) وجماعة من المسلمين الأشدّاء كانوا يصدّون تلك الغارات ويفوّتون الفرصة على قريش في جميع محاولاتها العدوانية[10].
واضطرّت قريش أن تفاوض النبيّ (صلى الله عليه وآله) بعدما رأت العزيمة والإصرار منه ومن المسلمين على دخول مكّة، فأرسلت إليه مندوبين عنها للتفاوض، وكان آخرهم سهيل بن عمر وحويطب من بني عبدالعزّى. ويبدو أنّ المفاوضات لم تنحصر بخصوص قضيّة الدخول الى مكّة في ذلك العام[11] بل تناولت اُموراً اُخرى لصالح الطرفين فقد روي أنّ عليّاً (عليه السلام) قال: لمّا كان يوم الحديبيّة; خرج إلينا ناس من المشركين فقالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله): يا محمّد! خرج إليك اُناس من أبنائنا وإخواننا وأرقّائنا وليس لهم فقه في الدين، وإنّما خرجوا فراراً من أموالنا وضياعنا فارددهم إلينا، فقال: إذا لم يكن لهم فقه في الدين كما تزعمون سنفقّههم فيه، وأضاف الى ذلك: يا معشر قريش! لتنتهنّ أو ليبعثنّ الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف قد امتحن الله قلبه بالإيمان، فقال له أبو بكر وعمر والمشركون: من هو ذلك الرجل يارسول الله، فقال (صلى الله عليه وآله): هو خاصف النعل، وكان قد أعطى نعله لعليّ (عليه السلام) يخصفها[12].
وبعد أن تمّ الاتّفاق بين الطرفين على بنود الصلح; دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليّ بن أبي طالب فقال له: اُكتب يا عليّ، بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل: أمّا الرحمن فوالله ما أدري ماهو لكن اكتب باسمك اللّهمّ، فقال المسلمون: والله لانكتبها إلاّ بسم الله الرحمن الرحيم، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): اُ كتب باسمك اللّهمّ، هذا ما قاضى عليه محمّد رسول الله، فقال سهيل: لو كنّا نعلم أنّك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمّد بن عبدالله، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): إنّي لرسول الله وإن كذّبتموني ثمّ قال لعليّ (عليه السلام): امحِ رسول الله فقال (عليه السلام): يارسول الله، إنّ يدي لا تنطلق لمحو اسمك من النبوّة فأخذه رسول الله فمحاه ثمّ قال له: أما إنّ لك مثلها وستأتيها وأنت مضطرّ لذلك[13] وتمّت كتابة بنود الصلح بخط عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).
**************
[1] السيرة الحلبية: 2 / 631.
[2] السيرة النبوية لابن هشام : 3 / 224، تاريخ الطبري : 3 / 172، والكامل في التاريخ : 2/180، والسيرة الحلبية: 2/318.
[3] موسوعة التاريخ الإسلامي: 2 / 491 و 492، عن شرح نهج البلاغة: 19/61، وراجع المناقب للخوارزمي: 144، السيرة الحلبية: 2/318.
[4] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 19 / 61 ، ينابيع المودة: الباب الثالث والعشرون رواه عن ابن مسعود ورواه الميلاني في قادتنا : 2 / 108 عن الدميري في حياة الحيوان : 1 / 248 وعن الفضل بن روزبهان : انّه حديث صحيح لا ينكره إلاّ سقيم الرأي ضعيف الايمان . ولكنه ليس نصّاً في الإمامة .
[5] تاريخ دمشق : 1 / 150، وراجع أيضاً موسوعة التاريخ الإسلامي: 2/495.
[6] مستدرك الحاكم: 3 / 32، نقلاً عن هامش تأريخ دمشق: 1 / 155، وفرائد السمطين: 1 / 255 حديث 197.
[7] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 19 / 61.
[8] كان خروج النبي لأداء العمرة في مطلع ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة المباركة.
[9] الإرشاد : 108، الفصل 30 الباب 2، وكشف الغمة : 1 / 280 باب المناقب مثله.
[10] سيرة الأئمّة الاثني عشر للحسني: 1 / 217 نقلاً عن ابن اسحاق.
[11] كنز العمال: 10 / 472، غزوة الحديبية.
[12] ينابيع المودة للقندوزي: 59، وكنز العمال: 13 / 173، وفضائل الخمسة للفيروز آبادي: 2/237.
[13] تأريخ الطبري: 2/282 ط مؤسسة الأعلمي، والكامل لابن الأثير: 2 / 404.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page