طباعة

عليّ (عليه السلام) في غدير خم أميراً للمؤمنين

ولمّا انصرف النبيّ (صلى الله عليه وآله) راجعاً الى المدينة ومعه تلك الحشود الغفيرة من المسلمين وصل الى غدير خمّ من الجحفة التي تتشعّبُ فيها طرق أهل المدينة والعراق ومصر، وذلك في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة نزل إليه الوحي عن الله بقوله: (يا أيّها الرسول بلّغ ما اُنزل اليك من ربّك)[15] وأمره أن يقيم عليّاً علماً للناس ويبلّغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كلّ أحد، وقد ضمن الوحي للنبيّ (صلى الله عليه وآله) أن يكفيه شرّ الحاقدين والحاسدين من الناس، وكان أوائل القوم قريباً من الجحفة فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يردّ من تقدّم منهم، ويحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان الذي لم يكن منزلاً لأحد من قبله، ولم يكن هو (صلى الله عليه وآله) ينزل فيه لولا خطاب الوحي له ثمّ وقف (صلى الله عليه وآله) بين تلك الجموع وقال بصوت يسمعه الجميع: أيّها الناس كأنّي قد دعيت فأجبت، إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ثمّ قال: إنّ الله مولاي وأنا وليُّ كلّ مؤمن ومؤمنة، وأخذ بيد عليّ (عليه السلام) وقال: من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللّهم وال من والاه، وعادِ من عاداه، وأنصر من نصره، واخذل من خذله، وأَدر الحق معه حيث دار أَلا فليبلّغ الشاهد الغائب.
ثمّ لم يتفرّقوا حتّى نزل أمين الوحي بقوله: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً).
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي والولاية لعلّي من بعدي ثمّ طفق القوم يهنّئون أمير المؤمنين (عليه السلام) وممّن هنّأه في مقدّم الصحابة الشيخان أبو بكر وعمر، كلٌّ يقول: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة[16].
وروي: أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) أمر بنصب خيمة لعليّ (عليه السلام) وأمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً ويسلّموا عليه بإمرة المؤمنين، ففعل ذلك كلّهم حتّى من كان معه (صلى الله عليه وآله) من أزواجه ونساء المسلمين[17].

واقعة الحارث بن النعمان ونزول آية (سأل سائل بعذاب واقع)
لمّا شاع وانتشر قول النبيّ (صلى الله عليه وآله): من كنت مولاه فعليّ مولاه فَبلغ الحارث ابن النعمان الفهري، فأتى النبيّ على ناقته وكان بالأبطح، فنزل وعقل ناقته وقال للنبيّ وهو في ملأ من الصحابة: يا محمّد! أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك رسول الله فقبلنا منك، ثمّ ذكر سائر أركان الإسلام وقال: ثمّ لم ترض بهذا حتّى مددت بضبعي ابن عمّك وفضّلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعليّ مولاه فهذا منك أم من الله؟
فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): والله الذي لا إله إلاّ هو، هو أمر الله فولّى الحارث يريد راحلته وهو يقول: اللّهمّ إن كان هذا هو الحقَّ من عندك فأمطر علينا حجارةً من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامّته وخرج من دبره، وأنزل الله تعالى: (سأل سائل بعذاب واقع[18])[19].
***************
[15] المائدة (5) : 67.
[16] السيرة الحلبية بهامشه السيرة النبوية: 3 / 274، والمناقب لابن المغازلي الشافعي: 16، والفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي: 40، وينابيع المودة للقندوزي: 40.
وقد ورد حديث الغدير في مصادر كثيرة جدّاً يضاف لما ذكرنا منها: أسباب النزول للنيشابوري، مطالب السؤول لكمال الدين الشافعي، تفسير مفاتيح الغيب للرازي، تفسير المنار لمحمّد عبده، تفسير ابن شريح، تذكرة الخواص لابن الجوزي، مسند الإمام أحمد ذخائر العقبى للطبري، الرياض النضرة لمحبّ الدين الطبري وغيرها من الجوامع الحديثية والتأريخية والتفسيرية، راجع الغدير للعلامة الأميني.
[17] الإرشاد للمفيد: 1 / 176.
[18] المعارج (70) : 1.
[19] تفسير المنار: 6 / 464، وتذكرة الخواص : ص31 مع اختلاف في اللفظ، والفصول المهمّة لابن الصبّاغ: 42، أبو اسحاق الثعلبي في تفسيره والحاكم الحسكاني في كتابه دعاة الهداة، والقرطبي في تفسيره، والحمويني في فرائد السمطين، والزرندي الحنفي في معارج الوصول ودرر السمطين، والسمهودي في جواهر العقدين، والعماري في تفسيره، والشربيني القاهري الشافعي في تفسيره، والمناوي الشافعي في فيض القدير، والحلبي في السيرة الحلبية والحفني الشافعي في شرح الجامع الصغير، والزرقاني المالكي في شرح المواهب اللدنية، والشبلنجي الشافعي في نور الأبصار، وغيرهم كما تجد تفصيل ذلك في الجزء الأول من موسوعة الغدير .