لقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) على علم تامّ بما سيؤول إليه وضع المسلمين من بعده، لأنّه كان يراقب العلل والأمراض التي ابتلي بها هذا المجتمع وكان على يقين بأن أوّل ضربة من بعده ستوجّه الى الخطّ الرسالي الذي أرسى قواعده هو وعليّ، وإلى الزعامة التي أشار إليها النبيّ (صلى الله عليه وآله) في أن تخلفه في الخطّ الصحيح للدعوة الإسلاميّة، لانّ هذا يهدّد مصالح الكثير ممّن كانوا يريدون أن يستفيدوا من الإسلام ويتنعّموا بإشباع رغباتهم في ظلاله لا أن يقدّموا جهداً وفائدة للإسلام، ويتزّعموا هذا الكيان الكبير الذي بناه النبيّ (صلى الله عليه وآله).
وكان (صلى الله عليه وآله) يتخوّف من أن تتحول الشريعة الإسلامية الى شيء آخر غير الذي أنزله الله عليه، وتكون خاضعة للأهواء والرغبات، وكمصداق على تخوف النبيّ هو واقعة الحارث بن النعمان الذى جاء يشكّك ويستنكر على النبيّ مواقفه.
فما كان منه (صلى الله عليه وآله) إلاّ وأن يعلن موقفه من الاتّجاه الصحيح لخطّ الدعوة الإسلامية عبر مراحل وفترات عديدة، فكان يكرّر لأصحابه: إن تستخلفوا عليّاً وما أراكم فاعلين تجدوه هادياً مهدياً يحملكم على المحجّة البيضاء[20].
وروي أنّ سعد بن عبادة قال في ملأ من الناس: فوالله لقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إذا أنا متُّ تضلّ الأهواء بعدي ويرجع الناس على أعقابهم، فالحقّ يومئذ مع عليّ (عليه السلام).
وحديث الثقلين شاهد آخر على ضرورة التمسّك بطاعة عليّ (عليه السلام) والسير على هَدْيه ومنهاج ولايته لضمان سلامة العقيدة الإسلامية وتحصينها من الانحراف ثمّ بدأ النبيّ (صلى الله عليه وآله) بإعداد خطّة جديدة لإتمام الأمر الإلهي بتنصيب عليٍّ أميراً للمؤمنين، فحاول أن يعدّ جيشاً كبيراً يضمّ فيه كلّ العناصر التي من الممكن أن تدخل في حلبة الصراع السياسي مع الإمام عليّ (عليه السلام) وتناوئه على زعامة الساحة الإسلاميّة، ومن ثَمّ سينحرف مسار الرسالة الإسلامية عن طريقها القويم، أو على الأقل أنّها تطالب بمكانة سياسية أو إدارية في جهاز الدولة وقد تظهر موقفاً معادياً في حالة رفض الإمام عليّ (عليه السلام) ذلك ممّا قد يثير الكثير من المشاكل للاُ مّة وهي في حالة ارتباك بفقده (صلى الله عليه وآله).
*************
[20] حلية الأولياء لأبي نعيم: 1 / 64، ومختصر تأريخ دمشق لابن عساكر: 18 / 32.