• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

محاور عمل الإمام (عليه السلام) في الاُمّة (المحور الثاني)

المحور الثاني: وحين لم يفلح المحور الأوّل في بلوغ هدفه عمل الإمام (عليه السلام) بمنهجية اُخرى ألا وهي تحصين الاُمّة ضد الانهيار التامّ وإعطاؤها من المقوّمات القدر الكافي كي تتمكّن من البقاء صامدة في مواجهة المحنة بعد استيلاء فئة غير كفوءة على السلطة وانحدار الاُمّة عن جادّة الحقّ والصواب بسببها.
فاجتهد الإمام (عليه السلام) في تعميق الرسالة فكرياً وروحياً وسياسياً في صفوف الاُمّة، وتقديم الوجه الحقيقي للنظرية الإسلامية عبر أساليب منها:
1 ـ التدخّل الإيجابي في عمل الزعامة المنحرفة بعد أن كانوا لا يحسنون مواجهة ومعالجة القضايا الكثيرة البسيطة منها والمعقدة. وتوجيههم نحو المسار الصحيح لإنقاذ الاُمّة من مزيد الضياع، فكان دور الإمام (عليه السلام) دور الرقيب الرسالي الذي يتدخّل لتقويم الأود.
ونجد الإمام يتدخّل للردّ على شبهات المنكرين للرسالة بعد أن عجز المتصدّي للزعامة عن ذلك، ونجده أيضاً يتدخّل ليعطي للخليفة نصائح عسكرية أو اقتصادية وما أكثر نصائحه ومعالجاته القضائية[5]!
2 ـ توجيه مسار سياسة الخليفة ومنعها من المزيد من الانحراف من خلال الوعظ والنصيحة، وبدا هذا الاُسلوب جليّاً في عهد عثمان بن عفان حيث كان لا يقبل التوجيه والنصيحة.
3 ـ تقديم المثل الأعلى للإسلام والصورة الحقيقية لطبيعة وشكل الحكم والمجتمع الإسلامي وقد ظهر هذا واضحاً في فترة حكومة الإمام (عليه السلام)، وعلى هذا الأساس استند قبول الإمام للحكم بعد أن رفضه فقد مارس دور القائد السياسي المحنّك والحاكم العادل ونموذج الإنسان الذي صاغته الرسالة الإسلامية وكان مثالاً يُحتذى به لبلوغ هدف الرسالة فهو المعصوم عن الخطأ والزلل والدنس في الفكر والعمل والسيرة.
4 ـ تربية وبناء ثلّة صالحة من المسلمين تُعين الإمام (عليه السلام) في حركته الإصلاحية والتغييرية وذلك عبر تحرّكها في وسط الاُمّة لإنضاج أفكارها وتوسيع قاعدة الفئة الواعية الصالحة، وتستمر في مسيرها عبر التأريخ لتتواصل الأجيال اللاحقة في العمل وفق النهج الإسلامي[6].
5 ـ إحياء سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والتنبيه عليها وتدوينها والاهتمام بالقرآن تلاوةً وحفظاً وتفسيراً وتدويناً إذ هما عماد الشريعة ولابدّ أن تدرك الاُمّة حقائق القرآن والسنّة كما شُرّعت وكما اُريد لها أن تفهمها.

الثقافة الإسلامية في حكم الخلفاء [7] :
من أخطر المشاكل التي تواجهها الرسالات والعقائد هو تصدّي الفئات العاجزة والفارغة فكرياً للدفاع عنها أو تطبيقها، وحين يتعرّض المتصدّون للزعامة للاختبار لمعرفة رأي الرسالة ومدى علمهم بها فإنّ سكوتهم أو اختلافهم سيزرع شكّاً لدى الجماهير ويزعزع ثقتهم بالرسالة ومقدرتها على مجاراة الحياة، ومن ثَمّ يتحوّل الشكّ الى حالة مرضية تجعل الاُمّة تتقاعس عن التفاعل مع الرسالة أو الدفاع عنها في معترك الصراعات وخضمّ الأزمات ومن هنا نجد تصدّي النبيّ (صلى الله عليه وآله) لكلّ قضيّة غامضة أو مجهولة تبدو هنا أو هناك في حياة الاُمّة حيث يعطي الموقف الواضح للرسالة منها كما ترى ذلك جليّاً في سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) من بعده خلال حكم الخلفاء الثلاثة حين كان يظهر للناس عجزهم وقصورهم العلمي والعملي إذ فسح (عليه السلام) المجال إلى أقصاه للبحث والسؤال عندما تسلّم زمام الحكم.

وحين أدركت الفئة الحاكمة أنّها ليست المؤهّلة للحكم وأنّها قاصرة علمياً; اتّخذت عدّة إجراءات لمعالجة هذه المثالب منها :
1 ـ منع نشر أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما فيها من التوجيه العلمي والبعث نحو الوعي والفاعلية في الحياة إضافةً إلى أنّ أحاديث الرسول تعلن بوضوح أنّ أهل البيت هم المعنيّون بالخلافة وشؤون الرسالة دون من عداهم، ومن هنا نعلم السرّ في رفع شعار حسبنا كتاب الله الذي تحدّى قائله به رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه عندما أراد أن يدوّن كتاباً لن تضلّ الاُمّة من بعده.
ويبدو أنّ ظاهرة تحديد أو منع نشر أحاديث النبيّ بدأت قبل هذا التأريخ، وذلك عندما منعت قريش عبد الله بن عمرو بن العاص من كتابة الأحاديث[8]كما قامت السلطة الحاكمة بحرق الكتب التي تضمّنت نصوصاً من أحاديث الرسول[9].
2 ـ إنّ ظاهرة النهي عن السؤال عمّا لا يُعلم من معاني الآيات القرآنية تعني تجريد الاُمّة من سلاح البحث والتحقيق والتعلّم للقرآن نفسه بعد عزل السنّة عن القرآن، والاهتمام بظواهر القرآن من دون فسح المجال للتدبّر والتفقّه في آياته وأحكامه حتى أوصى عمر عمّاله قائلاً: جرّدوا القرآن وأقلّوا الرواية عن محمّد وأنا شريككم بل إنّه عاقب كلّ من يسأل عن تفسير آيات القرآن[10].
3 ـ فتح باب الاجتهاد في مقابل النصّ، فقد اجتهد أبو بكر في جملة من الأحكام من دون أن يستند الى نصّ قرآني أو حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن ذلك مصادرة تركة النبيّ ومنع أهل البيت من حقّهم في الخمس واحراقه الفجاءة السلمي[11] وفتواه في مسألة الكلالة[12] وفتواه في إرث الجدّة[13] كما اجتهد عمر بن الخطّاب في التمييز في العطاء خلافاً لسنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله)[14] واجتهد في منع متعتي الحجّ والنساء وغيرها ممّا تجده في كتاب (النصّ والاجتهاد)[15] وقد اجتهد عثمان بن عفّان في إسقاط القود عن عبيد الله بن عمر[16] وتأوّل في جملة من الأحكام الصريحة خلافاً لما قرّره رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى ثار عليه المسلمون كما عرفت.
كلّ هذه الاُمور وغيرها أثارت للدولة الإسلامية وللاُمّة المسلمة الكثير من المصاعب والمصائب التي كانت السبب الرئيس في انحراف المسيرة المقرّرة للرسالة الإسلامية ووقوع الكثيرين في شِباك الفتن والضلالة حتى قال الإمام عليّ (عليه السلام) عن ذلك: إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتّبع وأحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب الله، ويتولّى عليها رجالٌ رجالاً على غير دين الله فلو أنّ الباطل خلص من مزاج الحقّ لم يخف على المرتادين، ولو أنّ الحقّ خلص من لبس الباطل، انقطعت عنه ألسن المعاندين ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه، وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى[17].

***************
[5] تأريخ اليعقوبي: 2 / 133، 145.
[6] أهل البيت تنوّع أدوار ووحدة هدف للشهيد السيد محمّد باقر الصدر: 59 ـ 69.
[7] للمزيد من التفصيل راجع معالم المدرستين للسيد مرتضى العسكري: 2 / 43 .
[8] سنن الدارمي: 1 / 125، وسنن أبي داود: 2 / 262، ومسند أحمد: 2 / 162 وتذكرة الحفّاظ: 1 / 2.
[9] طبقات ابن سعد: 5 / 140 طـ بيروت.
[10] تاريخ ابن كثير: 8 / 107، وسنن الدارمي: 1 / 54، وتفسير الطبري: 3 / 38 والإتقان للسيوطي: 1 / 115.
[11] تأريخ الطبري: 2 / 448 ط مؤسسة الأعلمي.
[12] سنن الدارمي: 2 / 365، والسنن الكبرى للبيهقي: 6 / 223.
[13] سنن الدارمي: 2 / 359، واُسد الغابة: 3 / 299.
[14] فتوح البلدان: ص55، وتأريخ الخلفاء للسيوطي: 136.
[15] كنز العمال: 16 / 519 الحديث 45715، وزاد المعاد لابن القيم: 2 / 205.
[16] راجع منهاج السنّة لابن تيمية: 3 / 193 وهناك اجتهادات كثيرة للخلفاء تذكرها كتب التأريخ.
[17] نهج البلاغة: الخطبة (50).


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page