• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عهد امامته (عليه السلام) (تهدمت أركان الهدى)

ليلة التاسع عشر من شهر رمضان المبارك تُعتبر من الليالي التي يُرجى فيها أن تكون ليلة القدر . وكان حديث الناس في تلك الليلة في كل مكان حول الحرب بعد أن بث الإمام (ع) فيهم روح الجهاد ، ودبّ إليهم النشاط والعزيمة .
وفي طرف مسجد الكوفة كان يصلي جماعة من المصريين ، كعادتهم في كل ليلة ، قريباً منهم عند السرة كان يصلي جماعة باجتهاد . وهناك في بيت متواضع على طرف تستضيف الإمام (ع) أبنته فتحمل إليه عند الإفطار ، رغيفاً من الخبز ولبناً وشيئاً من الملح ، فيأمرها برفع اللبن . ولما تناول لقمات نهض لصلواته ، وبين الفينة والأخرى كان يتطلع إلى السماء فيقول : هي هي الليلة التي وُعدت بها لا كَذبت ولا كُذِّبت ثم يخرج إلى المسجد ، ويدخله من ذات الباب الذي اجتمع خلفه أولئك الرجال .
يقول الراوي : خرج عليهم علي بن أبي طالب (ع) عند الفجر ، فأقبل ينادي الصلاة الصلاة ، وبعدها رأيت بريق السيف ، وسمعت قائلاً يقول : الحكم لله لا لك يا علي ، ثم رأيت بريق سيف آخر ، وسمعت عليّاً يقول : لا يفوتنَّكُم الرجل وكان الأشعث قال لابن ملجم النجاة لحاجتك قبل أن يفضحك الفجر [103]
فمن هو الذي اشترك في المؤامرة ضد حياة قائد المسلمين ؟ إنهم ثلاثة اجتمعوا في الحج وقرر كل واحد منهم اغتيال واحد من الثلاثة : معاوية ، وعمرو بن العاص ، والإمام (ع) فلم ينجح صاحب عمرو بن العاص إذ كان قد استناب عنه آخر للصلاة فقُتل ، بينما وقع سيف صاحب معاوية على فخذه وجرحه جرحاً بسيطاً اما ابن ملجم الذي كان قد اشترى سيفه بألف وسمَّمه بألف فقد التقى فيما يبدو بالمعارضة التي تنامت في الكوفة ، وكان يقودها ابن الأشعث الذي بدأ يتباكى على مصرع الخوارج ، وكان قد دخل الإمــــام (ع) قبل فترة فاغلظ عليه لمؤامرته المستمرة ضد الإسلام فتوعده وهدده بالفتك ، فقال له الإمـــام : أَبِالموت تخوِّفني وتهدِّدني ؟. فواللـه ما أُبالي وقعتُ على الموت أو وقع الموتُ عَلَيَّ [104] .
وهكذا تعاون معه في جريمته سبيب بن بجران ، ووردان بن مجالد ، ولعل رجالاً آخرين من جماعة ابن الأشعث كانوا مساهمين معهم .
ومن خلال الأشعث التقت مصلحة الخوارج ( الذين كانوا من أشد المعارضين لمعاوية ) بمصالح معاوية الذي كان يخشى هجوماً صاعقاً لجند الإسلام ضده وكان لا يني من توزيع الوعود على الطامعين في الكوفة للفتك بالإمام (ع) ومن هنا خاطب أبو الأسود الدؤلي معاوية بعد تنفيذ الجريمة قائلاً :

أَلاَ أَبلغْ معـاوية ابنَ حربٍ فلا قرت عيون الشامتينا
أفي شهر الصيام فجعتمونا بخير الناس طرّاً أَجمعينا
قتلتم خير من ركب المطايا وذلَّلها ومَـن ركب السفينا
ومَن لبـس النعـال ومـن حـذاها ومـن قرأ المثاني والمئينا [105]
وبعد تنفيذ الجريمة حُمل الإمام (ع) إلى البيت ، وأُحضر عنده ابن ملجم فقال الإمام : النفس بالنفس ، إن أنا متُّ فاقتلوه كما قتلني ، وإن سلمتُ رأيت فيه رأيي وأضاف : يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين تقولون قتل أمير المؤمنين . أَلاَ لا يَقتلنَّ إلاّ قاتلي .
ودخل على الإمام (ع) أكبر أطباء الكوفة واسمه : أثير بن عمر بن هاني ، فلما فحصه مليّاً قال : يا أمير المؤمنين اعهد عهدَك ، فإن عدو اللـه قد وصلت ضربتُه إلى أم رأسك [106] .
ويقول الأصبغ بن نباتة : دخلتُ على أمير المؤمنين (ع) فإذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء قد نزف دمُه واصفرَّ وجهه فما أدري وجهه أشد صفرة أم العمامة فاكببتُ عليه فقبلته وبكيــــت فقال لي : لا تبكِ يا أصبغ فإنها واللـه الجنة .
فقلت له : جَعلتُ فداك ، إني أعلم واللـه أنك تصير إلى الجنة وإنما أبكي لفقداني إياك يا أمير المؤمنين [107] .
وبكت عنده أم كلثوم بعد أن نعى إليها نفسه ، فقال لها : لا تــــؤذينــــي يـــا أم كلثوم ، فإنـــك لو ترين مـــا أرى ، إن الملائكة مـــن السماوات السبـــع بعضهـــم خلـــف بعــض ، والنبيون يقولون : انطلق يا علي فما أمامك خير لك مما أنت فيه [108] .
وبقي الإمام (ع) ثلاثاً تشتد حالته ، حتى كان ليلة الواحد والعشرين من شهر رمضان ، في الثلث الأول منها ، وعهد عهده إلى الإمام الحسن وأوصاه وأخاه الإمام الحسين عليهما السلام ، بآخر وصاياه ، ثم ودع أهل بيته ، واستقبل ملائكة ربه بالسلام وفارقت روحه الزكية الحياة ، وصرخت بناته ونساؤه ، وارتفعت الصيحة في بيته ، فعلم أهل الكوفة أن أمير المؤمنين قد قُبض ، فأقبل الرجال والنساء أفواجاً ، وصاحوا صيحة عظيمة ، وارتجَّت الكوفة بأهلها ! وكان ذلك اليوم كيوم مات فيه رسول اللـه (ص) .
ثم غسله الإمام الحسن والإمام الحسين معاً سلام اللـه عليهم أجمعين ، بينما كان محمد بن الحنفية يصب الماء . وحُنِّط ببقية حنوط رسول اللـه ، ووضعوه على سريره ، وصلَّى عليه الإمام الحسن (ع) ، وحُمل في جوف الليل من تلك الليلة إلى ظهر الكوفة فدفن بالنوبة عند قائم الغرَّيين حيث مرقده الشريف الآن وكانت الحكمة في كتمان موضع قبره الذي ظل سريّاً عن العامة حتى عهد الإمام الرضا (ع) ، اتَّقاء شرِّ الخوارج وبني أمية .
ثم قتل ابن ملجم وأحرق بالنار وطويت صفحة ناصعة من حياة الإمام (ع) بشهادته ، لتنشر على مدى الدهر صفحات مجده وعزه ، وفضائله ، وتابعيه على الهدى والإستقامة . فسلام اللـه عليه حين ولد في الكعبة ، وحين وقع صريعاً في محراب الكوفة ، وحين مضى شهيداً وشاهداً على الظالمين ، وحين أضحى راية العدالة وعلم الهدى ، ومنار التقوى وسلام اللـه عليه حين يبعث حيّاً ، ليجعله اللـه ميزاناً يفصل به بين عباده ، وقسيماً للجنة والنار  وسلام على الصدِّيقين الذين اتَّبعوا خطاه ، وعلى شيعته الذين تحملوا في ولائه ما تعجز عنه الجبال الراسيات .

***************
([103]) المصدر : ( ص 505 ) .
([104]) المصدر : ( ص 501 ) .
([105]) في المصدر ( والمبينا ) والظاهر ما ذكرناه انظر : ( 502 ) .
([106]) في رحاب أئمة أهل البيت : ( ص 255 ، ج 2 ) .
([107]) المصدر .
([108]) المصدر . 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page