• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

حُبُّ الإمام علي (عليه السلام) للـه تعالى

 

كان حبه الشديد لربه سبحانه يجعله فوق كل وشيجة مادية ، وكل ضغط اجتماعي ، وكل مصلحة دنيوية زائلة. فقد حدثنا (عليه السلام) بنفسه عن أسباب نصر اللـه للمسلمين . وجعل أعظمها التعالي عن علاقاتهم النسبية والتمسك بقيم الحق ، فقال : “ فلقد كنا مع رسول اللـه (صلى الله عليه وآله) وإنّ القتل ليدور على الآباء والأبناء والأخوان والقرابات ، فما نزداد على كل مصيبة وشدة إلاّ إيماناً ومضيّاً على الحق “ [1] .
ويروي التاريخ أن الإمام علي (عليه السلام) رأى يوم بدر عقيلاً أخاه وكان في معسكر الأعداء يومئذ ، رآه مقيداً فصدَّ عنه ، وصاح به عقيل : يا علي ، أما واللـه لقد رأيت مكاني ، ولكن عمداً تصدُّ عني.
فأتـى علي (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وقال : “ يا رسول اللـه هل لك في أبي يزيد ، مشدودة يده في عنقه بنسعه [2] فقال انطلق بنا إليه “ [3] .
وهكذا كان موقفه من أخته أم هاني يوم فتح مكة حيث أوت رجالاً من قريش كما يروي التاريخ فلم يجرهم حتى أجارهم النبي (صلى الله عليه وآله) [4] .
ومن هنا كان الإمام (عليه السلام) يعيش أبداً فوق الضغوط وكان الناس يعرفون منه ذلك ، ولذلك تعاونت ضده أصحاب المصالح ، وقوى الضغط الإجتماعية ، كما تخبرنا عن ذلك زوجته سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليه السلام) : “ وما الذي نقموا من أبي الحسن، نقموا منه واللـه نكير سيفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته، وتنمُّره في ذات اللـه“[5].
لقد عرفوا أنه لايبالي، ولا يداهن فيما يرتبط بربه. وهكذا شهدت حوادث التاريخ . فحينما مد إليه عبد الرحمن ليبايعه علــــى كتاب اللـه وسنّة رسوله وسيرة الشيخين رفض الإستجابة إلاّ لكتاب اللـه وسنّة رسوله ، ولم يبال أن الخلافة بكل ما فيها من عظمة وجلال تزوى عنه .
بل إن نظراته إلى الحكم كانت أبداً من خلال ما يمكن أن ينفع دينه . فهو الذي قال مرة لابن عباس وقد استعجله لاستقبال الوفود وكان مشغولاً باصلاح نعله ، قال له : يابن عباس ، كم تسوى هذه النعل عندكم ؟ قال : درهماً أو بعض درهمٍ .
قال : “ لأمْرَتُكم هذه أزهدُ عندي منها ، إلاّ أن أُقيم حقّاً أو أَدفع باطلاً “ .
أولم يرفض إبقاء معاوية على إمارة الشام مدة من الزمن يستقر فيها الأمر له ثم يعزله كما أشار عليه البعض ، لانه كان يرفض الغدر ؟.
وقد قال مرة : “ وما معاوية بأدهى مني ، ولكنه يغدر ويفجر ، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس “ [6] .
ويروي التاريخ أن كل الملتحقين بمعاوية ممن كان مع الإمام علي (عليه السلام) هربوا من عدالته ، واستراحوا إلى محاباة معاوية ومداراته . وكذلك فقل والذين أثروا على عهد الخليفة الثالث ومثلهم ثراء فاحشاً على حساب المحرومين ، وخشوا من محاسبة الإمام علي لهم . الذين كانت بأيديهم ثروات المسلمين ، مـــن بيت المال ، وأرادوا الاستئثار بها . وكذلك الذين كانوا يتصورون المجتمع الإسلامي كالجاهلية يأكل القويُّ العزيزُ فيه الضعيفَ الذليلَ ، ولم يُعجبهم شعار الإمام (عليه السلام) : “ الذليلُ عندي عزيز حتى آخذ الحق له ، والقويُّ عندي ضعيفٌ حتى آخذ الحق منه “ [7] .
وكذلك هرب من عدله الذين كانوا يرتكبون جرائم يستحقون عليها الحد . والذين كانوا يبحثون عن جو التسامح في دين اللـه ، يسمح لهم ارتكاب بعض الجرائم كإقامة الحفلات الماجنة ومعاقرة الخمور .
كل أولئك كانوا يتسللون إلى معاوية ويشفق عليهم الإمام (عليه السلام) ، لأنهم يهربون من النور إلى الظلام ، ومن العدالة الشاملة إلى مجتمع الظلم الزائل .
ولكنه لم يغير سياسته من أجل استمالتهم . والتاريخ يحفل بمئات الحوادث التي تروي لنا قصة ذلك الركن الشديد ، الذي تتراجع عنه عواصف الضغط الإجتماعية ، قصة ذلك الصلد الأصم الذي تتكسر عنده كل أمواج الإغراء والإرهاب .. فليجتمعوا حول معاوية ، ثم يزيد ثم من يأتي من سلاطين بني أمية ، وليرفعوا عقيرتهم ألف شهر ، بسب عليٍّ وذريته عليهم السلام ، ويتفاخرون بقتل أولاده وشيعته .. وليفعلوا ما شاؤوا أن يفعلوا .. فالحق أغلى .. واللـه أكبر ، وأمير المؤمنين (عليه السلام) يصبر محتسباً ثواب ربِّه عزَّ وجلَّ .
ولقد قال مرة : “ كنت أحسب الأمراء يظلمون الناس ، فإذا الناس يظلمون الأمراء “ [8] .
أجل ، إن انعدام الوعي عند الناس وكثرة القوى المصلحية كانت وراء ظلمهم لأمير المؤمنين (عليه السلام) .
فقد كان يريد إقامة مجتمع القانون ، والناس يرغبون في الفوضى والمحاباة ، وأن ينفَّذ القانونُ أبداً على غيرهم . أما هم فالأفضل أن تمشي لهم الوساطات .
لقد أخذ الإمام علي (عليه السلام) رجلاً من بني أسد في حدٍّ ، فاجتمع قومه ليكلِّموا فيه ، وطلبوا إلى الحسن (عليه السلام) أن يصحبهم ، فقال : ائتوه فهو أعلى بكم عيناً ، فدخلوا عليه وسألوه ، فقال : لا تسألوني شيئاً أَملكه إلاّ أُعطيتم ، فخرجوا يرون أنهم قد نجحوا ؛ فسألهم الحسن (عليه السلام) فقالوا : أتينا خير مأتِيً ، وحكوا له قوله ، فقال : ما كنتم فاعلين إذا جلد صاحبكم فافعلوه .. فأخرجه علي (عليه السلام) فحدَّه ، ثم قال : “ هذا واللـه لستُ أَملكه “ [9] .
وقد بيَّن فلسفة ذلك في قصة أخرى حيث بلغ معاوية أن شاعراً من أصحاب الإمام (عليه السلام) كان اسمه النجاشي قد هجاه . ولعل معاوية كان يعرف أنه يشرب الخمر ، فدسَّ قوماً شهدوا عليه عند الإمام أنه شرب الخمر ، فأخذه وحدّه .
فغضب جماعة على الإمام (عليه السلام) في ذلك - وكان بينهم طارق بن عبد اللـه الفهدي - فقال : يا أمير المؤمنين مالنا نرى أن أهل المعصية والطاعة وأهل الفرقة والجماعة عند ولاة العقل ومعادن الفضل سِيَّانِ في الـجـــزاء ، حتى ما كان من صنيعك بأخي الحارث - يعني النجاشي - فأوغرت صدورنا ، وشتت أمورنـــا ، وحملتنا على الجادة التي كنا نرى أن سبيل من ركبها النار ( أي اتِّباع معاوية ) .
فقال علي (عليه السلام) : { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ } (البقرة/45) .
يا أخا بني فهد !. هل هو إلاّ رجل من المسلمين انتهك حُرمة من حُرم اللـه ، فأقمنا عليه حدها زكاة له وتطهيراً ؟.
يا أخا ابن فهد ، إنه من أتى حدّاً فأليم[10]كان كفارته .
يا أخا ابن فهد ، إن اللـه عزَّ وجلَّ يقول في كتابه العظيم : { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَانُ قَوْمٍ عَلَى اَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } (المائدة/8) [11] .
لقد كانت نظرة الإمام (عليه السلام) إلى العدل والمساواة مستوحاة من لب الوحي وروح الرسالة ، وقد انعكست على مواقفه ، وفي تأديبه لِوُلاته ، فهنا يوصي عامله على مصر مالك الأشتر فيقول له : “ أَنصف اللـه ، وأَنصف الناس من نفسك ، ومن خاصة أهلك ، ومن لك فيه هوى من رعيتك . فإنك إِلاَّ تفعل تَظلم ، ومن ظلم عباد اللـه كان اللـه خصمه دون عباده ، ومن خاصمه اللـه أَرخص حُجته ، وكان لله حرباً حتى يفزع ويتوب . وليس بشيء أدعى إلى تغيير نعمة اللـه ، وتعجيل نقمته من إقامةٍ على ظلم ، فإن اللـه سميع دعوة المضطهدين ، وهو للظالمين بالمرصاد “ .
ثم يحذره من محاباة الخاصة ( وهم الأشراف وأولوا الوجاهات والوساطات ) فيقول : “ وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق ، وأعمّها في العدل ، وأجمعها لرضا الرعية ، فإن سخط العامة يجحف برضى الخاصة ، وإن سخط الخاصة يُغتفر مع رضى العامة “ [12] .

مئة عشر منقبة (4)
في بيان شيء من جوامع كلمه وبوالغ حكمه
شهيد المحراب
الإمام علي مجمع الفضائل
في مولد أميرالمؤمنين
   
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) نهج البلاغة الخطبة ( 122 ) .
([2]) وهي عريض طويل يشد به الرحال .
([3]) المصدر : ( ج 41 ، ص 10 ) .
([4]) المصدر .
([5]) سيرة الأئمة : ( ج 1 ، ص 124 ) .
([6]) الخطبة ( 200 ) من نهج البلاغة .
([7]) نهج البلاغة الخطبة ( 37 ) .
([8]) المصدر .
([9]) المصدر .
([10]) أي ارتكب ما يوجب عليه الحد فلامه الناس أو آلمه إقامة الحد عليه .
([11]) المصدر : ( ج 41 ، ص 10 ) .
([12]) نهج البلاغة ( المعجم المفهرس ) : ص ( 98 ) .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page